المبحث الرابع : تعليم المرأة في نظر ابن باديس
قـال الله تـعـالـى:
( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة ) (التحريم:6) . قال
الضحاك في ذلك: حق المسلـم أن يعلـم أهلـه من قرابتـه وإيمائـه وعبيـده، ما فرض الله عليهم، وما نهاهم الله عنه
>[1] وقال الله تعالى مخبرا عن
إسماعيل عليه السلام :
( وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا ) (مريم:55) .
فالأسرة هـي اللبنة الأولى في بناء المجتمع المسلم، ومحضن ذلك هـو البيت وما يقدم فيه من تربية، وعماد ذلك كله هـو المرأة المسلمة. (فالبيت هـو المدرسة الأولى والمصنع الأصلي لتكوين الرجال، وتدين الأم هـو أساس حفظ الدين والخلق.. والضعف الذي نجده من ناحيتهما في رجالنا، معظمه نشأ من عدم التربية الإسلامية في البيوت، بسبب جهل الأمهات وقلة تدينهن)
>[2] .
لذلك أولى ابن باديس تعليم المرأة المسلمة اهتماما كبيرا، مدركا الخطر المحدق بالأمة إذا تركت المرأة بغير تعليم.
كان أهالي الجزائر في زمن الاستعمار يمنعون بناتهم من الذهاب إلى المدارس الحكومية، لأن القائمين عليها ليسوا مسلمين.. واستمر الأمر
[ ص: 149 ] كذلك إلى أن منعوهن من التعليم في الكتاتيب الحرة، غيرة على الأعراض وحفاظا على الدين في نظرهم.
بقيت المرأة بعيدة عن التعليم إلى أن ظهرت بوادر الحركة الإصلاحية، فنادى الشيخ ابن باديس بضرورة تعليم البنات، وتوفير المكان المناسب لهن دون الاختلاط بالذكور، معطيا بذلك روحا جديدا للتعليـم في الجزائر لم يكن معهودا فيها من قبل، ذلك لأن المجتمع لا ينهض إلا بالجنسين الرجل والمرأة، مثل الطائر لا يطير إلا بجناحيه
>[3] .
إن النساء شقائق الرجال في التكليف (فمن الواجب تعليمهن وتعلمهن، وقد علمهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقرهن على طلب التعلم، واعتز بهن، وتفقدهن، كما في حديث
ابن عباس >[4] :
( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ومعه بلال، فظن أنه لم يسمع النساء، فوعظهن وأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي القرط والـخاتم، وبلال يأخذ في طرف ثوبه ) >[5] .
وللمرأة في المجتمع مسئولية القيام بالجانب الداخلي للحياة على تشعب مهامه،
( يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ... والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسئولة عنهم... ) >[6] .
[ ص: 150 ]
ولو أمعنا النظر في مسئولية المرأة، لوجدناها تتحمل العبء الأكبر من أعباء الحياة، ذلك لأنها هـي الحامل والمرضع، والحاضن للأطفال، والملازم لهم في مختلف أطوار نشأتهم.. لذلك وجب تهيئتها، وإعدادها الإعداد اللازم لمثل تلك المهمة.
وفي ذلك يقول الإمام عبد الحميد بن باديس: (علينا أن نكمل النساء تكميلا دينيا، يهيئهن للنهوض بالقسم الداخلي من الحياة، وإعداد الكاملين ومساعدتهم للنهوض بالقسم الخارجي منها، وبذلك تنتظم الحياة انتظاما طبيعيا تبلغ به الإنسانية سعادتها وكمالها)
>[7] .
وإذا أردنا إعداد المرأة المسلمة للقيام بوظيفة تربية الأجيال، فلابد من توافر الشروط التي تؤهلها للقيام بذلك، مثل العلم الشرعي والعمل به، وهو ما يشير إليه ابن باديس بقوله: (إذا أردنا أن نكون رجالا، فعلينا أن نكون أمهات دينيات، ولا سبيل إلى ذلك إلا بتعليم البنات تعليما دينيا، وتربيتهن تربية إسلامية، وإذا تركناهن على ما هـن عليه من الجهل بالدين، فمحال أن نرجو منهن أن تكون لنا عظماء الرجال.. وشر من تركهن جاهلات بالدين، إلقاؤهن حيث يربين تربية تنفرهن من الدين، أو تحقره في أعينهن، فيصبحن ممسوخات لا يلدن إلا مثلهن.
لذا كان تعليم المرأة أمرا حيويا بالنسبة لمستقبل الأمة، فهي مدرسة الأجيال، إذا صلحت صلح البيت، وإذا فسدت فلا تلد إلا نكدا، (فنوع
[ ص: 151 ] تعليم البنات هـو دليل من سيتكون من أجيال الأمة في مستقبلها)
>[8] ويذهب الشيخ ابن باديس إلى عدم اختلاط البنات بالذكور في التعليم، لأن في ذلك مفسدة لهم، وعليه: (فلا يجوز اختلاط النساء بالرجال في التعليم، فإما أن يفردن بيوم... وإما أن يتأخرن عن صفوف الرجال)
>[9] .
ويميل الشيخ إلى أن يجعل لتعليم النساء يوما خاصا، ويتكرر هـذا اليوم بقدر الحاجة، ولما كانت الحاجة دائمة فاليوم مثلها
>[10] .
ومن قبل قال سحنون
>[11] .
: (وأكره للمعلم أن يعلم الجواري يخلطهن مع الغلمان، لأن ذلك فساد لهم)
>[12] .
وقال
القابسي >[13] : ومن صلاحهم، ومن حسن النظر لهم، ألا يخلط بين الذكران والإناث
>[14] .
ومن مبادراته لتشجيع المرأة على طلب العلم، إقرار مجانية التعليم للبنات، وفي هـذا يقول الشيخ: (ندعو إخواننا المسلمين إلى المبادرة بأبنـائهـم وبنـاتهـم إلـى المكتـب (مكتـب جمعيـة التربيـة والتعليـم
[ ص: 152 ] بقسنطينـة) .. فأمـا البنـون فلا يدفع منهـم واجـب التعليـم (الرسـوم) إلا القادرون، وأما البنات فيتعلمن كلهن مجانا، لتتكون منهن -بإذن الله- المرأة المسلمة المتعلمة)
>[15] .