خاتمة
مما سبق من البحث في جهود الشيخ عبد الحميد بن باديس التربوية، وبعد أن عشت أوقاتا ممتعة أفتش وأنقب في خفايا آثاره، حتى استطعت بعون الله وتوفيقه جمع ما تيسر لي في هـذا البحث المتواضع، اتضحت لي عظمة هـذا الرجل، وأصالة أفكاره وآرائه التربوية، حيث أصبح علما من أعلام الإسلام بفضل الله تعالى، ثم بفضل شدة اتصاله بكتابه وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، اللذين وجها منهجه، وأكسباه ما وصل إليه من وضوح في الرؤية، وسداد في الخطى، الأمر الذي جعله موفقا في دعوته الإصلاحية، خاصة في جانبها التربوي.
ومن خلال استعراضي للآراء التربوية للإمام عبد الحميد بن باديس توصلت إلى النتائج الآتية: [ ص: 186 ]
1 - لقـد كانت لابـن بـاديس جـهـود متميـزة فـي مجـال التربيـة والتعليم، ومساهمات موفقة في إصلاح وتطوير مناهجها.
2 - أن نجاح أي منهـاج تربوي، يتوقف إلى حـد كبير، على مقـدار ما يراعي هـذا المنهاج معتقدات الأمة وعاداتها وتقاليدها.
3 - أن أخذ أو اقتباس المناهج التربوية الغربية، مسلمة، دون رفض أو طرح ما لا يتفق وخصائص الأمة وثوابتها، قد يوجد انشطارا أو ثنائية في الكيان الاجتماعي والفكري لأفرادها.
4 - أن الطابع العربي الإسلامي المتميز للمدرسة الباديسية، جعل الجهود الاستعمارية التي قامت بها فرنسا في الجزائر تتقهقر أمامها، رغم الإمكانات المادية والمعنوية التي سخرت لذلك.
5 - دعـا ابن باديس إلى ضـرورة الاهتمـام بإعـداد المعلـم الصالـح، القوي في دينه وتكوينه، لأن إنجاح العملية التربوية، يتوقف إلى حد كبير على وجود المربي، الذي يحقق بسلوكه وممارساته التربوية المثال الصادق لأهداف المنهج التربوي المراد إقامته وتحقيقه.
6 - يعتبـر العلـم مـن الوسـائل الفعالـة في الإصـلاح الاجتمـاعـي والأخلاقي، وفي المحافظة على شخصية الأمة وكيانها.
7 - التربية في نظـر ابن باديس، تنظـر إلى الإنسـان نظـرة متكاملة، لتطال جميع جوانبه الروحية والخلقية والجسمية والعقلية والنفسية، وغيرها من الجوانب، من غير تفريط ولا إفراط في جانب دون آخر. [ ص: 187 ]
إنما تقاس الأمم بما تنتجه من الرجال، وإنما تكون منجبة للرجال، يوم تصير تعرف أقدار العاملين من أبنائها.
ويعد الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله، نموذجا للعلماء العاملين المجاهدين في القرن العشرين، وآثاره مازالت زادا علميا ومادة دسمة لطلاب العلم والباحثين.
وما قمت به في هـذه الرحلة في رحاب آثار الإمام ابن باديس كان جمعا لبعض أفكاره المنشورة، وآرائه المسطورة، في مجال التربية والتعليم، لممت شتاتها، لأضعها بين دفتي هـذا البحث المتواضع، مركزا على:
1 - إظهار العوامل والقوى التي أثرت في فكر ابن باديس.
2 - استخلاص واستخراج الآراء التربوية للإمام ابن باديس، من خلال ما نشرته الصحافة الإصلاحية في الجزائر في الثلث الأول من هـذا القرن.
والحقيقة أن جهود ابن باديس في مجال التربية والتعليم تحتاج إلى مزيد بحث ودراسة، وما قمت به لم يكن سوى مساهمة بسيطة في إظهار جهود هـذا المربي الكبير، راجيا من الله المثوبة والتوفيق، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. [ ص: 188 ]
السابق