* الجانب التطبيقي في الحسبة
إلى جانب هـذه الصورة الفقهية النظرية عن الحسبة كما عرضها الفقهاء ومن كتب في السياسة الشرعية ، أو الذين تعرضوا لها، والتي أوجزنا شيئا من الكلام عنها، هـناك الجانب العملي التطبيقي الذي يكمل ما شرعته النظريات والفقهيات، لأنه يعتمد عليها في رعاية المصالح، التي تهدف إليها المبادئ الإسلامية، كما أنه يفصح من جهة أخرى عما بلغته العناية بهذا النظام عند المشارقة والمغاربة.
ويأتي كتاب: " نهاية الرتبة في طلب الحسبة " ، على رأس المؤلفات في هـذه الطريقة الخالصة للتطبيق، وهو للمؤلف عبد الرحمن بن نصر بن عبد الله العدوي، المتوفى سنة 589هـ/1193م
>[1] [ ص: 95 ] الشيزري
>[2] الشافعي.. وقد جعل كتابه أربعين بابا، واقتصر فيه -كما قال- على الحرف المشهورة، وفي كل باب يذكر كل سوق وكل حرفة.
وقد حذا حذوه، ويقال: أغار عليه، كل من محمد بن محمد بن أحمد المعروف بابن الأخوة (ت: 729 هـ/1338م
>[3] ، القرشي الشافعي، في كتابه: " معالم القربة في أحكام الحسبة " .. ومحمد بن أحمد المعروف بابن بسام المحتسب، الذي عاش بمصر قبل سنة 844هـ، وأطلق على كتابه نفس اسم كتاب الشيزري، أعني: " نهاية الرتبة في طلب الحسبة " ، كما نقل مقدمته بحروفها، ولكنه أضاف أبوابا من خبرته في الحسبة، فأضفت على كتابه أهمية وشخصية متميزة
>[4] .
[ ص: 96 ]
وعلى كل حال، فإن كتاب " نهاية الرتبة " ، يعتبر الكتاب الأم في الحسبة التطبيقية في مشرق العالم الإسلام.
أما في مغرب العالم الإسلامي، فهناك كتاب " آداب الحسبة " ، لأبي عبد الله بن محمد بن أبي محمد السقطي المالقي، وقد عاش في أواخر القرن الحادي عشر الميلادي، وأوائل القرن الثاني عشر الميلادي، وهو بهذا يعتبر أقدم ما وصل إلينا في الحسبة التطبيقية، فهو يسبق كتاب الشيزري السالف الذكر
>[5] .
وإذا كانت كتب السياسة الشرعية قد اهتمت بالشروط الواجب توافرها في اختيار مواقع ومواضع المدن وتخطيطها العام، فإن مؤلفات علماء المسلمين في مجال الحسبة تناولت التركيب الداخلي للمدن، من تقسيم الشوارع، وتوزيع المنشآت عليها، والعلاقة بين هـذه المنشآت بعضها بعضا، والشروط الواجب توافرها فيها.. ودخل ضمن اختصاص المحتسب الحفاظ على حق الطريق، وهو أمر ركزت عليه كافة مؤلفات الحسبة من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومن هـنا يتضح أثر الحسبة، وهي أحد أبواب الفقه الإسلامي، في العمارة المدنية، وبصفة خاصة أسواق المدن الإسلامية.
[ ص: 97 ]