المسألة الخامسة : أن الأمصار والمدن
بإفريقية والمغرب قليلة، وذلك لأمرين:
أحدهما: أن هـذه الأقطار كانت
للبربر ، منذ آلاف من السنين قبل الإسلام، وعمرانها إنما هـو بدوي، والدول التي ملكتهم من الإفرنج والعرب لم يطل أمدها فيهم، حتى تنتقل إليهم حضارتها، فلم تكثر مبانيهم لذلك.
الثاني: أن المباني إنما تتم بالصنائع، والصنائع التي هـي من توابع الحضارة، لا تنتحلها البربر، لإعراقهم في البدو، فإذن لا تنتحل المباني، ولا تتشوف إليها، فضلا عن المدن، وأيضا فهم ذوو عصبيات وأنساب، والأنساب والعصبية أجنح إلى البدو، ولا يدعوهم إلى سكنى المدن إلا الترف والغنى، وقليل ما هـو في الناس.
نتيجة
قال
ابن خلدون : فلذلك كان عمرانها -كله أو أكثره- بدويا أهل خيام، وضواعن، وقياطين
>[1] ، وكن في الجبال،
[ ص: 126 ] وكان عمران بلاد العجم -كله أو أكثره- قرى، وأمصارا، وبساتين، كالأندلس والشام ومصر، وعراق العجم وأمثالها، لأن العجم -في الغالب- ليسوا بذوي أنساب يحافظون عليها، إلا في الأقل وأكثر ما يكون سكنى البدو لأهل الأنساب، لأن لحمة النسب أقرب وأشد، وعصبيته كذلك، فتنزع بصاحبها إلى التجافي عن المصر الذي يذهب بالبسالة، ويصيره عيالا على غيره قال: فافهمه، وقس عليه.