الفصل الأول
الوعي التاريخي عند العرب
أ - مرحلة ما قبل الإسلام
وبعيدا عما فصلنا القول فيه في أصل دراستنا
>[1] من تتبع لوجود وعي تاريخي في كل من
وادي الرافدين ووادي النيل والعربية الجنوبية (بلاد اليمن)
وتدمر والأنباط والمناذرة ، فإن منطقة
نجد والحجاز قد تأخر فيهما ميلاد مثل هـذا الوعي أو ذاك الحس التاريخي .
وقد يكون السبب في ذلك أن البيئة الصحراوية القاسية لم تساعد على الاستقرار وقيام مجتمع متحضر (في نجد) خاصة، مما طبع النشاط الاقتصادي هـنا بطابع الرعي، والحياة الاجتماعية بطابع البداوة والترحال، فأصبح النمط الثقافي السائد في هـذه البيئة شفاهيا يقوم على الأيام والأنساب.
إضافة إلى ذلك فإن هـنالك اعتقاد بأن غياب وعي تاريخي لدى عرب الشمال، إنما يعود إلى:
- عدم وجود دولة واحدة تضم العرب وتوحدهم قبل الإسلام.
[ ص: 43 ]
- افتقاد العرب إلى دين عام يوحد توجهاتهم العقائدية، وبالتالي يخلق في نفوسهم أحد أهم أسس الوحدة السياسية، وهو الشيء الذي تحقق لهم بالإسلام فيما بعد.
- إضافة إلى هـذا، فإن العربي كان يفتقد وجود تصور واضح للتاريخ، فقد تعامل مع الزمن بجانبيه، البداية والنهاية، من نظرة أحادية، ركزت على الجانب الثاني الذي هـو النهاية أو الموت، فهو تعلق بنهاية التاريخ.
وكانت هـذه النهاية أو المصير أو الموت، مثار قلق دائم بالنسبة للعربي قبل الإسلام، وقد ظهر مثل هـذا القلق في شعر بعض الشعراء قبل الإسلام، يقول
طرفة بن العبد >[2] :
لعمرك ما أدري وإني لواجـل أفي اليوم إقدام المنية أم غد؟ فإن تك خلفي لا يفتها سواديا
وإن تك قدامي أجدها بمرصد
وكذلك ما يعبر عنه امرؤ القيس
>[3] ، من حزن عندما تحل المنايا بقوم، فهي لا تفرق بين سيد وأحمق، وبين صغير وكبير:
تلك المنايا فما يبقين من أحد يأخذن حمقا وما يبقين أكياسا
[ ص: 44 ] وعلى هـذا أصبح الزمان في نظر العربي قبل الإسلام يرمز للفناء، وبمرور الأيام تمضي حياة الناس إلى نهايتها المحتومة.
هذه أبرز عوامل تأخر ظهور وعي تاريخي قبل الإسلام.. فما هـو أثر الإسلام في ظهور وعي تاريخي عند العرب المسلمين؟ هـذا ما ستجيب عليه الفقرة التالية.