ثانيا: الاجتهاد الجماعي أكثر دقة وإصابة
إن الاجتهاد الجماعي باعتباره تفاعل وتكامل ومشاركة بين مجموعة كبيرة من العلماء المجتهدين والخبراء المتخصصين، يتميز عن الاجتهاد الفردي بأنه يكون أكثر استيعابا وإلماما بالموضوع المطروح للاجتهاد، وأكثر شمولا في الفهم لكل جوانب وملابسات القضية، كما أن عمق النقاش فيه ودقة التمحيص للآراء والحجج، يجعل استنباط الحكم أكثر دقة وأكثر إصابة، (فرأي الجماعة أقرب إلى الصواب من رأي الفرد، مهما علا كعبه في العلم، فقد يلمح شخص جانبا في الموضوع لا يتنبه له آخر، وقد يحفظ شخص ما يغيب عن غيره، وقد تبرز المناقشة نقاطا كانت خافية، أو تجلي أمورا كانت غامضة، أو تذكر بأشياء كانت منسية، وهذه من بركات الشورى، ومن ثمار العمل الجماعي)
>[1] .
[ ص: 79 ]
لذلك نجد حرص الخلفاء الراشدين على الأخذ به، وخاصة في القضايا العامة والمعقدة، حيث كان أسلوب الصحابة في الاجتهاد لتلك القضايا يغلب عليه الطابع الجماعي، فقد كانوا إذا نزلت بهم قضية ليس بها نص من الكتاب أو السنة، جمع لها الخليفة رءوس الناس وخيـارهم واستشارهـم، فما اتفقوا عليه اعتبر حكما شرعيا، ومن ذلك ما فعله
عمر رضي الله عنه في جمع الصحابة للبحث في قسمة موارد العراق وغيره من الأراضي المفتوحة عنوة، وانتهى رأيهم بالاتفاق إلى إبقاء الأرض بيد أهلها وعدم قسمتها بين الغانمين
>[2] .