خامسا: الاجتهاد الجماعي يقي الاجتهاد من الأخطار
تبين لنا من خلال ما سبق، أن الاجتهاد كان في أحسن أحواله عندما كان جماعيا، ثم تسربت إليه الإشكالات عندما صار فرديا، مما دعا إلى القول بسد باب الاجتهاد.. وإذا كان استمرار الاجتهاد ضروريا، فإن قيامه في زمننا بشكل فردي، يخشى معه أن يأتي بالإشكالات نفسها التي أدت بالعلماء في منتصف القرن الرابع الهجري إلى إغلاق باب الاجتهاد، بل إن تلك المخاوف صارت اليوم أكثر بروزا، حيث بدأ كل من يرى في نفسه القدرة على النظر الفقهي، يلبس ثوب الاجتهاد، ويخرج على الناس بالآراء
[ ص: 85 ] الاجتهادية، حتى ولو لم يكن من أهل الاجتهاد، ولم تتوفر فيه أكثر شروط الاجتهاد، فتضاربت الأقوال وتبلبلت الأفكـار، وأصبـح النـاس في حيـرة مما يسمعون أو يقرءون
>[1] ، ويخشى أيضا من المتاجرين بالدين، الذين يصدرون كتبا وفتاوى غراره، يتزلفون بها إلى الطغاة، أو يخدمون بها أعداء الإسلام، فيهدمون دعائم الدين تحت ستار الاجتهاد وحرية التفكير، طمعا منهم في منافع يجنونها من وراء ذلك، لا يبالون معها بسخط الله
>[2] .
لذلك لا بد أن يكون الاجتهاد جماعيا، حتى يسد الباب على هـؤلاء الأدعياء، ويحقق للأمة معرفتها بشرع الله على أكمل وجه وأدق بيان، وليس في هـذا حجر على الآراء أو حكر على التفكير، وإنما هـو حماية للأمة من البلبلة والتشويش في أمر دينها.
كما أن ذلك لا يمنع من وجود الاجتهاد الفردي كممهد ومثر للاجتهاد الجماعي
>[3] ، ومن حق الأفراد أن يكتبوا وينشروا أبحاثا ودراسات، وأن يقولوا ما يرونه من اجتهادات، ولكنها تظل في نظر الأمة مجرد آراء واجتهادات فردية وأبحاث تمهيدية، ينبغي أن تخضع للنظر من قبل المجامع الاجتهادية
>[4] خصوصا إذا كانت تلك الاجتهادات الجديدة صادرة عن أشخاص لم يعرف عنهم عمق في العلم، وقوة في التدين.
[ ص: 86 ]