المجامع التي تكونت
لم يعد المجمع الفقهي مجرد فكرة نظرية لا وجود لها في أرض الواقع، بل قد شاء الله عز وجل أن يتحقق وجود عدد من المجامع الفقهية، والتي
[ ص: 137 ] تعتبـر تجربـة طيبـة رغـم ما يؤخـذ على كـل واحـد منها من ملاحظـات أو يشوبها من قصور، ولكنها مع ذلك تمثل منجزات مهمة للأمة ينبغي تطويرها وإزالة السلبيات منها، وتنقيتها من أسباب القصور والتعثر.. وهذه المجامع تحقق منها حتى الآن ثلاثة مجامع، وهي مجمع البحوث الإسلامية بمصر، والمجمع الفقهي الإسلامي بمكة، والمجمع الفقهي بمكة، وسأتكلم عنها بشيء من الإيجاز، وذلك على النحو الآتي:
1 - مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة
أنشئ سنة 1961م، بموجب القانون 103 المتعلق بتطوير الأزهر، على أن يرأسه شيخ الأزهر، وأن يكون له أمين عام، ويضم عدة لجان: لجنة القرآن، ولجنة البحوث الفقهية، ولجنة إحياء التراث الإسلامي، ولجنة الدراسات الاجتماعية.
وتقوم لجنة البحوث الفقهية بتقنين الشريعة الإسلامية على المذاهب المختلفة، كما يقوم المجمع ببحث القضايا التي تهم العالم الإسلامي، وإصدار البحوث التي تتضمن رأي الإسلام في هـذه القضايا، ويعقد مؤتمرا عاما يدعى إليه علماء العالم الإسلامي كل عام، لمناقشة هـذه البحوث، وقد انعقد أول مؤتمر سنة 1964م
>[1] .
وهذا المجمع كما يقول
الشيخ مصطفى الزرقاء : قد كان يؤمل أن يكون نواة صالحة تنبت الكيان الكامل للمجمع الفقهي العالمي المطلوب...
>[2] ، ويؤخذ عليه عدم تفرغ أعضائه وتباعد دوراته واشتغاله بأمور متعددة لا يعتبر الاجتهاد الجماعي إلا واحدا منها.. وأيضا يؤخذ
[ ص: 138 ] عليه مراعاته للنزعات المذهبية في التشريع، حتى يكاد يوجد عدة اجتهـادات في المسـألـة الواحـدة، وهو بذلك لم يحقق وحـدة الحكـم، وإنما عمق الخلاف
>[3] .
2 - المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة
أنشأته رابطة العالم الإسلامي شعورا منها بضرورة وجود الاجتهاد الجماعي لمعالجة القضايا العامة في حياة الأمة، وكذلك القضايا المستجدة التي تتكاثر كل يوم، وتتطلب بيان حكم الله فيها، وقد تم تأسيس أول هـيئة لهذا المجمع في شهر ذي القعدة 1393هـ، وذلك بناء على قرار المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة عشرة، المنعقدة من 17 ذي القعدة 1393هـ إلى 16 ذي الحجة 1393هـ، على أن يكون أعضاؤه من العلماء الراسخين الأتقياء من جميع أقطار العالم الإسلامي
>[4] .
ولهذا المجمع اجتماعات دورية يتناول فيها موضوعات ذات أهمية كبرى في حياة الناس، إلا أن
الشيخ مناع القطان يعيب عليه عدم التزامه بالضوابط التي وضعت له عند إنشائه، ويعيب عليه أحد أعضائه
الشيخ مصطفى الزرقاء : (بأن أعضاءه غير متفرغين، بل يجتمعون في دورة انعقادية مدتها عشرة أيام في كل عام)
>[5] .
[ ص: 139 ] 3 - مجمع الفقه الإسلامي بجدة
وقد أنشئ أيضا بناء على قرار منظمة المؤتمر الإسلامي، وذلك عندما انعقد مؤتمر القمة الثالث للدول الإسلامية في رحاب بيت الله الحرام من 19- 22 ربيع الأول 1401هـ، 25 -28 يناير 1981م، فأصدر قرارا بإيجاد مجمع فقهي إسلامي دولي موحد يكون أعضاؤه من العلماء البارزين، الذين تعينهم الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي ممثلين لها في مجلسه، وقد قام هـذا المجمع وانضم إلى عضويتـه نخبـة من كبـار الفقهـاء، وممثلين للعديـد من المؤسسـات المجمعيـة الفقهية
>[6] .
إلا أن
الشيخ مصطفى الزرقاء يرى أن هـذا المجمع: (لا تدل قرائن الحال على جديته في تنفيذ الفكرة على الصورة الصحيحة المنشودة)
>[7] ، ويعيب
الدكتور توفيق الشاوي >[8] .
على هـذا المجمع أن الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي احتفظت لها بسلطات كبرى على المجمع وتعيين أعضائه، وحصرت حق المجمع في أن لا يعين أو يختار من أعضائه إلا فيما لا يزيد عن ربع عدد الأعضاء الذي يمثلون دولهم. وهذا جعل المراقبين يعتقدون أن الدول الأعضاء تحرص على فرض سيطرتها على المجمع وتوجيه قراراته لصالح سياساتها، من خلال جعل الأعضاء المعينين من قبلها يصدرون ما تملي عليهم تلك الدول.. وكان ينبغي أن يتم اختيار الأعضاء عبر لجنة تحضيرية من العلماء يمثلون كل الدول، ولا يخضعون لأي نظام سياسي.
[ ص: 140 ]
كما يعاب على المجمع أنه لا يوجد في نظامه الأساسي ما يشير إلى أنه يجب على الدول الأعضاء تطبيق ما يتوصل إليه المجمع من اجتهادات شرعية.. واكتفى نظامه الأساسي بأن جعل الاجتهادات التي تتمخض عن المجمع مجرد محاضر للاجتماعات ذات أهمية، وبحوث وفتاوى جيدة تحفظ لدى الأمانة العامة للمجمع، وينشر منها بشتى الوسائل ما تراه الأمانة العامة للمنظمة، ولا يوجد نص على أن لتلك الاجتهادات صيغة قانونية ملزمة للدول الأعضاء، وكان يجب أن ينص على شيء من ذلك، أما النص على مجرد حفظ تلك البحوث والاجتهادات، ونشر ما قد يسمح به حسب ما تراه الأمانة العامة، فهذا جعل المجمع أشبه بالمركز الثقافي للبحوث الفقهية وليس مؤسسة تشريعية للأمة.
تلك هـي آراء بعض المفكرين
>[9] .
حول هـذا المجمع، غير أننا نتطلع إلى أن يكون لهـذا المجمـع دور ريـادي على مستوى العالـم الإسلامـي بإذن الله تعالى.
وتجدر الإشارة إلى ضرورة اتحاد المجامع الفقهية أو على الأقل التنسيق بينها، لأن تعدد المجامع مع اختلافها يجعل أحكامها في المسألة الواحدة قد تتعارض، وبذلك توجد البلبلة بين المسلمين وتتشتت مواقفهم، ورؤاهم وأفهامهم، فلا بد أن يكون هـناك مجمع عالمي واحد للعالم الإسلامي كله، تنضوي تحته المجامع الفقهية الإقليمية، ويكون فيه مكتب تنسيق مركزي
[ ص: 141 ] يتكون من ممثلين عن المجامع الفرعية الإقليمية، فينسق بين أعمالها، ويساعدها في تنظيم أعمالها، ويقترح عليها ما يراه من الموضوعات التي تحتاج الأمة إلى مناقشتها.. كما يقوم هـذا المكتب بإحصاء كافة الكفاءات العلمية في المجال الإسلامي، والاتصال بهم، ومتابعة أبحاثهم العلمية، وتزويد المجامع بأسمائهم وإنتاجهم، لتتمكن من الاستفادة من هـؤلاء العلماء أو الخبراء في مختلف الجامعات والبلدان.. كما يقوم هـذا المكتب بمتابعة حركة النشر في حقل الفكـر الإسلامي أو ما له علاقة به، وتزويد المجامع بكل جديد، خاصة تلك الدراسات والأبحاث التي تحتوي على ما فيه إثراء للفكر الإسلامي، فهذه الأبحاث تساعد أعضاء المجامع على الإثراء الفكري فيما يعالجونه من قضايا.
وخلاصة القول: إن اتحاد المجامع وخضوعها لمجمع علمي واحد يوجهها وينسق بينها، يجعلها تتكامل فيما بينها، ويسعى بها نحو غاية واحدة، ويجعل عطاءها يكثر، وآفاقها تتسع، وأعمالها تنضج.
وسيظل اتحاد المجامع العلمية أمرا في غاية الأهمية، لأن القضايا التي تتطلب اجتهادا جماعيا تتزايد يوما بعد آخر، ولابد من مواكبة ذلك بتوحيد مجامعنا الفقهية، أو على الأقل التنسيق فيما بينها، حتى تتمكن من بذل جهود خلاقة لمواكبة ذلك التطور السريع في الحياة باجتهاد جماعي في التشريع. ونحن على ثقة من وعي علمائنا وحرصهم على تحقيق هـذا الأمر، ولكن المشكلة في بلادنا الإسلامية: (أن ما يجمعه العلماء يفرقه الساسة) .
[ ص: 142 ]