مقـدمـة
تشهد الساحة العالمية المعاصرة مجموعة من الأعمال العلمية والفكرية، تناولت الإسلام من مختلف جوانبه، إلا أن الدراسات المتعمقة والبحوث العلمية التي تناولت الإعلام في المنظور الإسلامي، لا تزال محدودة ومتواضعة، على الرغم من المحاولات المخلصة التي بذلها عدد من الباحثين، مستهدفين من وراء ذلك تحديد المعالم الأساسية لهذا المنظور، كما أن المنهج الإسلامي في الإعلام لم يأخذ طريقه بعد إلى حيـز التطبيق العملـي، بسبب غيـاب الاستراتيجيـة وعـدم وضوح الرؤية.
الحقيقة أنه إذا لم تستثمر خطط الدعوة الإسلامية المعطيات العصرية في وسائل الإعلام ونظم المعلومات، فإنها سوف تخسر الكثير من أسباب النجاح وعوامل الانتشار والتأثير.. كما أنه إذا أغفلت الكليات والمعاهد والمراكز المتخصصـة في تأهيـل دعـاة الإسـلام، تزويد الدارسين فيها بعلوم الإعلام والاتصال بالجماهير، فإنها بذلك تكون قد قصرت في حق دارسيها فحجبت عنهم أساليب العصر الحديثة وتقنياته. [ ص: 41 ]
وتأسيسا على ذلك، فإن معاهد إعداد الدعاة وكليات الدعوة الإسلامية، لا بد أن تضم إلى مناهجها علوما أكاديمية وتطبيقية في الإعلام، ليتعرف الدعاة على هـذا الفن، ويتمكنوا من توظيف التكنولوجيا الحديثة، لتحقيق أهداف الدعوة، بعد أن سيطرت وسائل الاتصـال على إنسـان العصـر، وأصبحت تحاصـره صباحا ومسـاء، ولا تكاد تفارقه ليلا أو نهارا، أي أن مخاصمتها أو الإعراض عنها يعد ضربا من الخيـال والاصطـدام بالواقـع، والتخلف عن مجريـات الأحـداث، وهو ما لا نرضاه لهؤلاء الذين يحملون رسالة الحق في ظل إيقاع الحياة المعاصرة.
وإذا كنا نعمل جاهدين لاستكشاف أعمال المفكرين المحدثين في ميادين الإعلام المختلفة، فإنه يجب أن نشحذ الهمم لدراسة الرؤى الإسلامية التي تحكم النشاط الإعلامي، ذلك أننا إذا أعطينا هـذه الدراسـات حقهـا، فإننـا سـوف نخلـص بحقـائق تتضائل إلى جانبهـا ما أفرزته أدمغة هـؤلاء المفكرين، وسوف نستطيع تحديد مرجعية عقدية سليمة لهذا النشاط تغنينا عن البحث في الفلسفات الأخرى، وتحقق لنا السيادة والسيطرة على سمائنا وأرضنا. [ ص: 42 ]
والإعلام الدعوي وهو يقف على أعتاب القرن الحادي والعشرين، لا بد له من إعادة تقييم نشاطه، وتنسيق جهوده، لمواجهة واقع مرير يفرض نفسه على الساحة الدولية.. لقد آن الأوان في ظل التحديات المعاصرة، أن ينطلق الإعلام الدعوي لكي يحقق أمل الأمة في التوحد بعد طول تمزق، وفي التقارب بعد طول تباعد، وفي التكاتف بعد طول تناحر، وفي تقديم صورة أمينة وصادقة عن الإسلام إلى العالم، بعد الاضطراب الذي ساد الساحة الدولية، التي لم يعد فيها مكان لأصحاب الأصوات الخفيضة والجهود الكليلة.. إن صوت الإسلام لا بد أن يكون جهيرا في مواجهة الآلة الإعلامية الجهنمية، التي تديرها المنظمات الصهيونية والتنصيرية والإلحادية، التي تستهدف الإساءة للإسلام وأهله.
وهذه الدراسة التي نحن بصددها الآن، ما هـي إلا محاولة علمية لتحديد معالم المنهج الإعلامي في المنظور الإسلامي، وفلسفة هـذا المنهج، والأسس التي يقوم عليها، وأصوله وأساليبه وقواعده، بهدف تحديد أصول العلاقة التي تربط بين الدعوة الإسلامية والإعلام المعاصر، وتمييز الهوية الإسلامية للعمل لهذا المنهج، والعمل على وضع الحلول وتقديم المقترحات التي تمكن الدعوة الإسلامية من الانطلاق بفاعلية، [ ص: 43 ] لتحقيق أهدافها على مختلف الأصعدة وفي مختلف المجالات، وإعداد خطة علمية لدعوة الإسلام تنطلق من الثوابت الإسلامية، وتوظف وسائل وفنون الإعلام الحديثة، وتلتزم بدستور المسلمين في منطلقاتها وخطواتها وأهدافها وضوابطها، حتى لا يظل الرأي العام العالمي جاهلا بهذا الدين، فيقع فريسة لما تقدمه له المنظمات التنصيرية والإرساليات التبشيرية والحملات الصهيونية، بعد أن أصبح الجهاد بالكلمة من أفضل ألوان الجهاد في العصر الذي نعيشه.
وهذا يفرض علينا تناول الموضوعات التالية بصورة علمية وموضوعية متجردة في الفصول التالية:
الفصل الأول: الإعلام المعاصر وثورة الاتصال بالجماهير.
الفصل الثاني: الجهاد الإعلامي وتحديات العصر.
الفصل الثالث: الأصول الفلسفية والعقدية للعمل الإعلامي.
الفصل الرابع: النظام العالمي وإشكاليات الإعلام الإسلامي المعاصر.
الفصل الخامس: المنهج المميز للإعلام الإسلامي.
وأخيرا قدمت هـذه الدراسة الأطر والمعالم الرئيسة للعمل الإعلامي في المنظور الإسلامي. [ ص: 44 ]
التالي
السابق