أولا: إشكالية التكنولوجيا وثورة المعلومات
فرضت تكنولوجيا الاتصال نفسها بقوة على العصر الذي نعيش فيه، بصورة واضحة، حيث أصبح العالم بفضل هـذا التطور المذهل يعيش في بقعة محدودة، تحدت عوامل الزمان والمكان، متزامنة في وجودها وتطورها مع ثورة المعلومات، فمع كل تطور في تكنولوجيا الاتصال [ ص: 98 ] تتطور معه موارد المعلومات، وتطورها يبشر بأن العالم يتغير تغيرا سريعا، وأن التقنيات القديمة آخذة في الانحسار.
وارتفعت مكانة التكنولوجيا المعاصرة بعد أن أصبح الإعلام صناعة ضخمة، تحتاج لإمكانات كبيرة ولملايين الدولارات، مما جعل الدول المتقدمة والغنية والقوية تتبوأ مواقع القيادة والريادة في هـذا المجال، وأصبح عدد قليل من التجمعات الرأسمالية والاقتصادية الغربية يسيطر على السوق العالمي لإنتاج وتوزيع السلع والخدمات الإعلامية، وغدت هـذه الصناعة خاضعة لإمبراطوريات ضخمة تنظم السوق، وفق ظروفها ومصالحها واحتياجاتها.
ونظرا لارتفاع تكلفة تكنولوجيا الإعلام والمعلومات -سواء في المجالات البحثية أو التطبيقية- فإن هـذا الواقع ينعكس بصورة حادة على نشاط أجهزة الإعلام في الدول الإسلامية -سمعية وبصرية ومطبوعة- نظرا للعجز الذي تعاني منه هـذه الأجهزة، والذي لا تستطيع معه هـذه الدول تطوير نفسها، أو اللحاق بركب التقدم، وهذا بدوره ينعكس على خطط الدعوة ونشاط الدعاة.
وهنا تكمن الأزمة التي تواجهها وسائل الإعلام في العالم الإسلامي، حيث ظلت معظـم هـذه الوسـائل تعتمـد على الطـرق البالية، وهـذا لا يمكنها من التجاوب مع التقنيات الجديدة، مثل استثمار شبكة (الإنترنت) ، وعدم القدرة على استخدام الحاسب الإلكتروني في تخزين [ ص: 99 ] واسترجاع خلاصة ما أنتجه الفكر البشري في أقل حيز متاح، وبأسرع وقت ممكن، لأنه في الوقت الذي تستطيع فيه مصادر المعلومات الحديثة أن توفر كما وفيرا متنوعا من المعارف التي يمكن أن تسهم في تنمية المجتمعات الإسلامية، نجد أن مراكز المعلومات في هـذه المجتمعات تعاني نقصا حادا في الكم والكيف.
وبالإضافة إلى ذلك فإن الدول المتقدمة تحتكر مصادر المعلومات الاستراتيجية التي تحملها أقمار الاستشعار عن بعد، وتحجبها عن الدول الإسلامية، وقد أعطى هـذا الوضع لهذه الدول مزيدا من السيطرة والتفوق، في الوقت الذي لم تستطع المؤسسات الإعلامية في العالم الإسلامي، أن تحقق شيئا يذكر في هـذه المنافسة، وهذا الصراع الدائر في الساحة الدولية.
إن الواقع الحالي للعرب والمسلمين يعد أمرا يدعو للأسف، فنحن نعتمد على وكالات الأنباء العالمية في نقل المعلومات بين أجزاء وطننا العربي والإسلامي، ونقبل تعريفاتهم وتصنيفاتهم، وننقلها حرفيا دون تبصر، وقد أقبلنا على شراء التكنولوجيا، ولم نسع إلى تعلمها، فكان موقفنا من التقدم التكنولوجي موقف الزبائن، بينما وقف غيرنا -كاليابانيين- من هـذا التقدم موقف التلاميذ، فتعلموا وتقدموا وطوروا أنفسهم، ونافسوا القوى الكبرى، وفرضوا إنتاجهم، وحافظوا على تراثهم [ ص: 100 ] وتقاليدهم، بينما وقـع العرب والمسلمون في أخطاء قاتلة، ومـارس إعلامهـم دورا لا يتفق مع حركة الأحداث وسرعة إيقاع الحياة.
التالي
السابق