ثالثا: إشكالية الاختلال الإعلامي وانعدام التوازن في تدفق المعلومات
وتكمن هـذه الإشكالية في ظاهرة انعدام العدالة في تبادل المعلومات بين الدول الكبرى غير الإسلامية والدول الإسلامية، مما جعل معظم البلاد الإسلامية مجرد بلاد مستهلكة للمعلومات التي تصدر إليها. وتتضح الخطورة هـنا إذا أخذنا في الاعتبار الهيمنة الفكرية التي تفرضها الدول الكبرى بسبب سيطرتها على قنوات الاتصال الدولية عن طريق الاستثمار المباشر فيها، وعن طريق هـيمنتها على وكالات الأنباء ووكالات الإعلان، حتى أصبحت عملية الإعلان في الصحف والمجلات والتلفزيون والإذاعة وعملية التمويل للأجهزة الفنية، بمثابة أساليب للسيطرة الثقافية، وكثيرا ما تسيء هـذه العملية إلى ثقافة البلد المستقبل وتشوه تاريخه وحضارته.
إنه من المؤسف حقا أن نظام الإعلام العالمي الحالي -بل وحتى المستقبلي القريب- يتسم باختلال ظاهر، بسبب عدم التوازن الذي فرضته الدول الكبرى على عملية تبادل المعلومات، حتى أصبحت معظم البلاد النامية -وبصورة خاصة في عالمنا الإسلامي- مجرد بلاد مستهلكة للمعلومات التي تصدر إليها.
ولعل الصورة تكون أشد خطورة، والهوة أكثر اتساعا، إذا أخذنا في الاعتبار عصر الفضاء واستخدام الأقمار الصناعية، وهنا تبرز المشكلة
[ ص: 106 ] بصورة واضحة، لأن الدول المتقدمة حصلت على نصيب الأسد في مجال توزيع الذبذبات، وعمدت إلى ترسيخ هـذا الحق عن طريق مادة تنص في نظام الإذاعات على بقاء المصالح المكتسبة.
ولهذا وقعت الدول الإسلامية في ورطة وأخذت تعاني من معضلات حقيقية وهي تبني محطاتها الإذاعية الجديدة، لأن جميع الذبذبات محتكرة، ولن تستطيع هـذه الدول الحصول إلا على ذبذبات رديئة لا تفي حتى بالحد الأدنى اللازم لبث إذاعي جيد، وتمكنت الدول الكبرى أن تسيطر على الفضاء الوطني لهذه البلاد، وتحرمها من حقها في الانتشار داخل مجموعتها القومية، أو السياسية، فضلا عن الانتشار في العالم، حيث سارعت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة إلى احتلال المواقع الرئيسة في المدار الثابت الحالي، مما أثار قلق الدول الإسلامية التي تكافح كي تجد لها مكانا مناسبا في الفضاء
>[1] ومما لا شك فيه أن هـذا الاختلال في تدفق المعلومات على النطاق الدولي يعد واحدا من أبرز مظاهر التفاوت القائم في شتى المجالات، هـذا التفاوت الذي يمنح الدول الأقوى القدرة على السيطرة وتوجيه النظام الإعلامي الدولي لصالحها، في الوقت الذي تعرقل فيه الجهود التي تبذلها أطراف أخرى لتحقيق الحد الأدنى لمتطلباتها في الاتصال والمعرفة
>[2] [ ص: 107 ]
في ضوء هـذا المناخ المفتقد للعدالة في نظم الاتصال العالمية، فإن الخطط الدعوية والإعلامية التي تحمل رسالة الحق والعدل بين البشر، وتتوجه إلى الفكر الواعي في الإنسان، وتنشر السلام والمحبة بين الناس، تنزوي وتتوارى، مفتقدة الإمكانات المادية والوسائل التقنية الحديثة، والكوادر البشرية المؤهلة والقادرة على حمل رسالة الحق ونشرها في مشارق الأرض ومغاربها، مما يصبح -معه- من الصعب إبلاغ الناس بتلك الرسالة الخالدة التي حملها إليهم رسل الله جميعا.
وفي ظل هـذا الاختلال الظالم فإن الدول الإسلامية مطالبة بإيجاد حل لمشكلاتها الإعلامية، من خلال بذل الجهود الجادة والمخلصة للتغلب على هـذه الهيمنة وهذا الاختلال الإعلامي، وتضع نصب عينيها الاستفادة من المستجدات العلمية ومعطيات العصر، وتضع خططها على قواعد علمية وأسس منهجية، وتعتمد على الطاقات البشرية المؤمنة، والقادرة على استخدام الوسائل المناسبة في الوقت المناسب، وفي الظرف الاتصالي المناسب، للشرائح الجماهيرية المختلفة.