رابع عشر: إشكالية غياب التخطيط العلمي في النشاط الدعوي والإعلامي
تميز النصف الثاني من القرن العشرين بالأخذ بالتخطيط الوقائي في عدد كبير من المؤسسات الإعلامية، التي أصبحت تستعين في أنشطتها المختلفة.
أما التخطيط العلاجي الذي يتصف بالسرعة والحزم، فإنه يختلف باختلاف طبيعة عمل المؤسسة، وأنواع الأخطار التي يحتمل حدوثها في
[ ص: 157 ] أي وقت. وهذا يتطلب إعداد خطط علمية محددة لمواجهة الأزمات عندما تحدث. وإذا تطلب الأمر إضافة بعض اللمسات الإضافية تبعا للموقف الذي يحدث، فسوف يصبح من اليسير وضع هـذه اللمسات، وتنفيذ الخطة بسرعة ودقة، دون أن تتعرض المؤسسة الإعلامية للارتباك، أو إخفاء الحقائق عن الجمهور، وانتشار الشائعات، وتضخيم الأمور، والإساءة إلى سمعة المؤسسة
>[1] وإذا استعرضنا التاريخ المعاصر، وقمنا بتحليل موضوعي للهزائم والنكسات التي أصابت أمة العرب والمسلمين، سوف يتأكد لنا أن غياب التخطيط العلمي كان وراء كل المصائب التي حاقت بها، وتسببت في تخريب البلاد وإفساد العباد.
ومن ثم فإنه إذا تم وضع خطة علمية سليمة، وإعداد حملات إعلامية متكاملة الأبعاد ومتناسقة التخطيط، تخاطب عقل الإنسان، فإن إستراتيجية الدعوة والإعلام ستتمكن من تشكيل رأي عام عالمي مناصر للإسلام، ومؤيد له، كما ستتمكن من تحييد العناصر التي تناصبه العداء.
وهذا العملية في حاجة إلى إعادة نظر في كل ما يكتب أو يذاع عن الإسلام والمسلمين، وإعداد الردود المناسبة، وتوضيح الحقائق أو تصحيحها أو تعديلها، وهذا يتطلب ترجمة الإصدارات المتميزة من المطبوعات الدولية والبرامج والفقرات التي تتناول الإسلام بصورة
[ ص: 158 ] موضوعية وأمينة، وإعداد الأعمال الجيدة لتكون جاهزة لكل الناس في كل مكان بمختلف اللغات، لأن كثيرا من الناس لا يعرفون عن الإسلام سوى اسم محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا يعرفون عن القرآن شيئا، ولا عن النظام الإسلامي سوى معلومات محدودة أو مشوهة أو غير صحيحة.
ولتحقيق هـذه الأهداف لا بد من التوسع في إقامة أجهزة دولية قوية للإعلام والدعوة الإسلامية، تأخذ على عاتقها وضع الخطط، وإعداد البرامج، وتهيئة المناخ الصحي لتنفيذها ومتابعتها في مختلف المراحل، لجذب اهتمام الجمهور، وكسب تأييده، والحصول على تعاطف الرأي العام، وإنشاء جسور من الثقة والتعاون المتبادل مع مختلف المؤسسات والقوى الضاغطة في مختلف المجتمعات، وبين مختلف الأمم والشعوب، لا سيما أن كافة الظروف الدولية مهيأة الآن لتمكين هـذه الأجهزة، وإعطائها الفرصة لممارسة دورها بنجاح وفاعلية.
وفي الحقيقة أنه إذا توافرت الرغبة الأكيدة، والنوايا الصادقة، والاستعداد الفعلي لتصحيح الصورة، وبسط وجهة النظر الإسلامية من القضايا المعاصرة، فإن أجهزة الدعوة والإعلام في الدول الإسلامية يمكن أن تنطلق لتوظيف الإمكانات المتاحة، من خلال نظام دقيق لعرض ما لديها بلباقة وذكاء، لقرع الآذان، وتفتيح الأعين، لعرض الصورة الصادقة والأمينة لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم .
إن العبء ثقيل على أجهزة الدعوة والإعلام التي يجب أن تعمل في الليل والنهار لمحو هـذا الجهل الغالب، وهذا يتطلب إعداد برامج طويلة
[ ص: 159 ] وأخرى قصيرة المدى، لأن صوت الإسلام في ميدان الإعلام يجب أن يكون جهيرا، حتى لا تعاني وسائل الإعلام في العالم الإسلامي من التبعية الفكرية، شأنها في ذلك شأن العديد من دول العالم الثالث.
وبناء على ما تقدم نستطيع أن نقرر أن فهم المجتمع الدولي للقضايا الإسلامية يتوقف على وضع خطة إعلامية صحيحة، واختيار الوسائل والأدوات والطرق الفعالة والمناسبة، مع مراعاة طبيعة الجماهير التي يتوجه إليها الإسلام بدعوته، والظروف الثقافية والاجتماعية والاقتصادية السائدة في مختلف المجتمعات المراد إقناع الجماهير فيها بالحقائق الماثلة والأفكار الصحيحة والقضايا العادلة، وذلك من خلال إستراتيجية علمية يتم فيها إعداد الحملات الإعلامية المخططة، وتأهيل الكوادر البشرية المدربة، وتوفير الإمكانات المادية الكافية والقادرة على تشكيل رأي عام عالمي مناصر لدين الله ومؤيد له، ومتفهم لمعانيه وأبعاده، وذلك على النحو التالي:
المرحلة الأولى: وتبدأ بدراسة استكشافية لمعرفة المجتمع الذي تتوجه إليه، ونوعيات الجماهير المستهدفة، ومستوياتهم الفكرية، وحالاتهم الاقتصادية، وأوضاعهم الاجتماعية، وآمالهم وآلامهم، وطبيعة النظام الذي يحكم حياتهم، ونوعية المعارف السائد بينهم، وذلك من خلال منهج علمي سليم، وأدوات بحثية ملائمة، وطاقات بشرية متمكنة.
المرحلة الثانية: يتم فيها وضع الخطة موضع التطبيق العلمي، آخذين في الاعتبار كافة المتغيرات التي تكفل الوصول للجماهير وتزويدها بالحقائق،
[ ص: 160 ] ومتابعة كل جديد يطرأ على أوضاعها، وتوظيف الوسيلة الإعلامية التي تصلح لكل واحدة من الشرائح الجماهيرية المستهدفة، لتحقيق الغرض المطلوب.
المرحلة الثالثة: ويتم فيها تقييم ما تم إنجازه من أهداف الخطة، وما أسفرت عنه مرحلة التنفيذ من نتائج، ووضع النقاط على الحروف لدعم الإيجابيات وتلافي السلبيات، وتقديم المقترحات التي تعالج مختلف جوانب الخلل، ودفع عجلة العمل، وتحقيق استمرارية النشاط الفعال والأداء المثمر.