خامس عشر: إشكالية البحث العلمي في مجال الإعلام والدعوة
تحتل البحوث الإعلامية أهمية كبيرة في مختلف مناحي الحياة المعاصرة، وأصبحت هـذه البحوث بمثابة المصابيح التي تهتدي بها الهيئات والمؤسسات المختلفة في إعداد الخطط والبرامج، وسن القوانين واللوائح، واتخاذ القرارات، حتى لا تعمل هـذه المؤسسات في فراغ، أو ضد اتجاهات الناس ومصالحهم.
وإذا كانت البحوث الإعلامية قد أحرزت تقدما ملحوظا خلال هـذا القرن، كانعكاس للتطور الذي شهدته العلوم الاجتماعية والنفسية، فإن ممارسة البحث كإحدى الوظائف الأساسية في أجهزة الإعلام العربية والإسلامية، لا تزال تعاني من عدم الاهتمام واللامبالاة، وقد يكون ذلك بسبب نقص الكوادر البحثية، وضعف الإمكانات الفنية، أو ضآلة في
[ ص: 161 ] الميزانية المخصصة لذلك، ومن ثم فإن المشكلة ليست مشكلة معرفة، لأن الأساليب العلمية للبحث أصبحت معروفة، وأصبح في الإمكان تطبيقها متى توافرت الرغبة لذلك والإمكانات التي تساعد على تحقيق الغايات المستهدفة
>[1] وتحتل بحوث الرأي العام- بصفة خاصة- أهمية كبيرة بين البحوث الإعلامية، لأنه بدون دراسة علمية دقيقة لاتجاهات الجمهور، ومعرفة قضاياه ومشكلاته وطموحاته، فإن المصالح والهيئات المختلفة ستعمل على غير أساس، ولن تجد من يسمع لها أو يهتم بها، إضافة إلى أن نتائجها سوف تكون غير مضمونة، وقد تكون مضللة
>[2] والخطط الإعلامية، لكي يتحقق لها النجاح المنشود، فإنها لا بد أن تعتمد البحث العلمي منهاجا لها في ذلك بالخطوات التالية
>[3] :
الدراسة العلمية لاتجاهات الجماهير، لاستكناه تفسيراتهم للأحداث والوقائع الاجتماعية، والمناشط السياسية والاقتصادية.
رسم البرامج الإعلامية المناسبة في ضوء ما تسفر عنه هـذه الدراسة، حتى يمكن إقناع الجمهور المراد الوصول إليه.
اختيار أنسب الوسائل لتحقيق الأهداف الجزئية، فقد تفيد الإذاعة في تحقيق هـدف ما، بينما يخفق التلفزيون أو السينما في تحقيق هـذا الهدف ... الخ.
[ ص: 162 ]
وإذا كان الإسلام قد فرض التطور على أهله فرضا، بالحض على الدراسة والبحث، فإن كافة الأنشطة الدعوية والإعلامية لا بد أن تقوم على أسس علمية تستهدف النهوض بالمجتمع المسلم والأخذ بيد الإنسان المسلم، لأن الشخصية الإنسانية لا يقومها ولا يرقيها شيء غير الإيمان والعلم،
وفي ذلك يقول الله عز وجل:
( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) (المجادلة:11) .
وإذا ما استعرضنا الإطار العلمي الخاص بالنشاط الدعوي والإعلامي، فإننا سوف نواجه بعدد من الصعوبات، من أبرزها: عدم الاتفاق على المصطلحات والمفاهيم الدعوية والإعلامية المطروحة على الساحة العلمية، والتركيز على البحوث النظرية، في الوقت الذي تقل فيه نسبة البحوث التطبيقية والميدانية، إضافة إلى نقص الدراسات والبحوث التي تحقق المطابقة بين المصطلحات والمفاهيم الحديثة، ومصادرها في القرآن الكريم والحديث الشريف، وعدم كفاية المناهج الحالية، في دراسة الإعلام الدعوي.
وفي الحقيقة أنه على الرغم من تعدد المناهج وأدوات البحث العلمي المستخدمة في العلوم الاجتماعية والإنسانية، إلا أن قابليتها للتطبيق في حقل الإعلام الدعوي يتطلب فهما لصلاحيتها، وهذا ما يدعو إلى ضرورة تضافر الجهود لتكييف المناهج الحالية، أو استحداث مناهج وأدوات بحثية تتفق وخصائص هـذا الفرع من فروع المعرفة الإنسانية
>[4] [ ص: 163 ]