سادس عشر: إشكالية الإعلام بقضايا الغيب
يشهد التاريخ البشري أن قضايا الغيب التي تناولتها الرسالات السماوية جاءت في مقدمة المسائل المطروحة للجدل والنقاش، منذ أن بعث الله الرسل والأنبياء، وستظل هـذه القضايا تشكل ركنا أساسيا وعلامة استفهام بارزة في التفكير الإنساني.
وتؤكد الحقائق الكونية التي تحيط بنا، أننا عاجزون عن تفسير كثير من ظواهر الطبيعة، عاجزون عن إدراك كل حقائق الحياة التي تحيط بنا، عاجزون أمام القدرة الخارقة التي أوجدت هـذا الغيب
>[1] ذلك أنه إذا كانت المساحة المعلومة التي يتحرك فيها الإنسان محدودة وضيقة، فإن هـذا الإنسان يتحرك في مساحة واسعة من عالم الغيب والمجهول، هـذا العالم الذي يطرح نفسه دائما منذ الخليقة الأولى في صورة تساؤلات وعلامات استفهام عديدة، قد تؤدي إلى الشك والاضطراب، بل قد تدفعه أحيانا إلى الكفر والإلحاد.
ونظرا لأن قضايا الغيب تتناول أمور غير ملموسة، لا تتعامل معها الحواس البشرية بصورة مباشرة، مثل الظواهر المادية التي تراها العين وتسمعها الأذن، فإني لشخص لم يؤت من الإيمان الصحيح والعقل السليم ما يرتفع به فوق مستوى هـذه المحسوسات، ويرتقي به إلى آفاق عليا من الفهم والإدراك.
[ ص: 164 ]
وإذا كان بعض الناس يطرحها رغبة في المعرفة، والتثبت من الحقيقة، لكي يطمئن قلبه، ويقبل على الإسلام وهو واثق من سلامة خطاه وصحة إيمانه،
كما في حالة إبراهيم عليه السلام:
( وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ) (البقرة: 260) ،
إلا أن هـناك من يطرحها بدافع التشكيك في صحة العقيدة والطعن في الدين، واتهام الأنبياء والرسل بالكذب والتضليل، والافتئات على منطق العقل.
وهذه الفئة الرافضة لا تنفع معها حجة، ولا يقنعها دليل، وليس من الحكمة إهدار الوقت معها،
فهؤلاء هـم الذين قال الحق فيهم:
( وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) ( يس:10) .
كما قال تعالى :
( أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين ) (الزخرف:40) .
ويتعرض الدعاة والإعلاميون المسلمون دوما لحملات تستهدف واحدة من ثلاث:
إما الطعن في صحة العقيدة، بهدف رفضها شكلا ومضمونا.
أو التشكيك فيها أو في بعض جوانبها.
أو محاولة الفهم والإدراك، بهدف المعرفة وتصحيح الفكر الخاطئ. ومنابر الدعوة وأجهزة الإعلام، هـي الروافد الفكرية المؤهلة للرد على
[ ص: 165 ] التساؤلات التي تثار حول هـذا العالم الذي يحيط بنا، لا سيما أن هـذه الأجهزة تستطيع تحقيق التوازن بين الجانب الروحي والجانب المادي في حياة الإنسان، كما تستطيع مواجهة اتهامات المعاندين، ودحض حجج المرجفين، والرد على تساؤلات المتشككين، ومن ثم فإن الدعاة ورجال الإعلام يجب أن يتزودوا بذخيرة قرآنية قوية، تحسن توظيف العقل والبرهان، وتجادل بالتي هـي أحسن، للإقناع بالحقيقة الخالدة التي أكدتها آيات الكتاب الكريم.
وعلى العكس من ذلك، فإنه إذا لم يجد المرء من مصادر المعرفة وقنوات الاتصال التي يتعرض لها دوما، إجابات شافية عن التساؤلات التي تكتنف حياته، فإنه سيصاب بحالة من البلبلة والإحباط، قد يفقد على أثرها إيمانه بالله، ثم يقد توازنه وثقته في كل ما يحيط به، فيحيا حياة بهيمية خالية من الراحة النفسية والسمو الروحاني والاقتناع العقلي.
ويقدم القرآن الكريم الدليل العقلي والحكمة الخالدة لمواجهة الأباطيل التي يثيرها المتشككون. ولو تعمق رجال الإعلام الدعوي في آيات القرآن الكريم، التي تناولت قضايا الغيب، ونهجوا منهج الق في هـذا الصدد، لاستطاعوا أن يفحموا كل من يحاول الطعن في حقائق الغيب التي حملتها آيات القرآن الكريم، ولديهم الأدلة والبراهين التي تدمغ هـؤلاء المتشككين.
[ ص: 166 ]