إعادة صياغة العقل العربي والإسلامي
العقل هو أداة فهم الأحكام، وتنزيل المقاصد، وفعل التكليف جملة، وقد علقت بالعقل العربي والإسلامي في عصرنا هذا شوائب وعلل وشبهات عطلته كليا أو جزئيا عن القيام بدوره التشريعي والاستخلافي على الوجه المطلوب، وقد كان ذلك حاصلا بموجب عدة عوامل وأسباب ذاتية وموضوعية تتصل إجمالا بظواهر الركود والجمود والكسل والتقييد واللامبالاة والتقليد والاستقالة وغيرها، وتتصل كذلك بحملات الفكر والاستشراق والتغريب، والتنصير والتهويد، والتمييع والتهميش.
وقد أدى ذلك كله إلى إحداث عقلية عربية وإسلامية عامة متفاوتة من حيث التفاعل مع المشروع الإسلامي في شتى نواحيه ونظمه وخصائصه، فتبعثرت بعض الأفهام والأنظار، واختلفت بعض التصورات والآراء إزاء بعض الحقائق الإسلامية، فصار بعضهم ممن تأثروا بتلك المؤثرات يناقشون ما هو معلوم من الدين بالضرورة،
[ ص: 161 ] ويشككون في القطعي أحيانا، ويستخفون بالمحظور أحيانا أخرى، تحت غطاء الاجتهاد، وهم مع ذلك يعلنون أنهم مسلمون يصلون ويصومون ويحجون وأنهم يفعلون ذلك ليس عنادا أو تحاملا، وإنما فقها واستنباطا واجتهادا وتأويلا.
إن واجب العلماء والمصلحين والمفكرين والساسة، إصلاح العقول قبل إصلاح الأعمال، وتغيير الأفهام قبل تشريع الأحكام، حتى تتهيأ العقلية العامة لقبول دين الله تعالى على أنه نظام شامل وواقعي، وإنساني ومتوازن، وباق إلى يوم القيامة، وليس كونه دينا يخاطب الروح على حساب الجسد، أو العائلة على حساب الدولة، أو التعبد على حساب التقنين والتشريع.
إن إعادة صياغة العقل يساعد كثيرا على تطبيق الاجتهاد المقاصدي الوسطي بلا إفراط ولا تفريط، أما ترك العقل بما عليه من شوائب واختلالات سيؤدي غالبا إلى إحدى حالتي التناقض المقاصدي، أي إلى حالتي:
- الإفراط في اعتبار المقاصد، بسبب ما ورثه العقل من دعوات الفكر المعاصر إلى التخلي عن الضوابط والشروط الشرعية، والتعويل المبالغ فيه على العقل والواقع والتفتح وغير ذلك .
[ ص: 162 ]
- التفريط في اعتبار المقاصد، بسبب تأصل الميل إلى الظاهرية الحرفية والشكلية، والبعد عن الفهم الحقيقي الشمولي المقاصدي لأحكام الإسلام
>[1]