تقديم
عمر عبيد حسنة
الحمد لله الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، خلق الإنسان على الفطرة السوية، وكرمه على سائر خلقه، فمنحه حرية الإرادة وأهلية الاختيار، حيث زوده بقابلية التوجه إلى الخير، وبين له سبيله وعاقبته، عن طريق هداية النبوة وإدراك العقل، وحذره من الشر ونوازعه وما يترتب عليه من سوء العاقبة والخسران المبين،
قال تعالى:
( ونفس وما سواها *
فألهمها فجورها وتقواها *
قد أفلح من زكاها *
وقد خاب من دساها ) (الشمس: 7-10) ، فجعل التزكية الموصلة إلى الفلاح من إرادة الإنسان وفعله، كما جعل التدسية المفضية إلى الخيبة والضلال من فعله أيضا، وبذلك تصبح معركة التزكية والتدسية هي ميدان الفعل التربوي في مسيرة الحياة.
والصلاة والسلام على النبي المربي، الذي بعثه الله في الأميين رسولا منهم، يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، فكان الرحمة المهداة، الذي وضع عن البشرية إصرها والأغلال التي كانت عليها، وقدم للإنسانية جيلا ما يزال يشكل الأنموذج والمثل لكل المربين والمصلحين والسائرين على طريق التربية والإصلاح والتطوير والتغيير والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.
[ ص: 9 ]
وبعد:
فهذا كتاب الأمة السابع والستون: (القيم الإسلامية التربوية والمجتمع المعاصر ) للأستاذ عبد المجيد بن مسعود ، في سلسلة (كتاب الأمة ) التي يصدرها مركز البحوث والدراسات بوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية في دولة قطر، مساهمة في تزكية المسلم وإحياء وعيه برسالته الإنسانية واسترداد دوره في سعيه لإلحاق الرحمة بالناس، وذلك بحسن تنشئته وتحريره من العبودية لغير الله، وقيامه بأعباء الاستخلاف الإنساني وإقامة العمران البشري في ضوء منهج الله وسننه في الحياة والأحياء، ومحاولة التحول بالعملية التربوية والمعرفية من حالة التلقين والمحاكاة والتقليد الجماعي وتغييب العقل إلى ممارسة التفكير، والاجتهاد، والإبداع، والمناقشة، والحوار، والمثاقفة، والتجديد والتغيير، والتوجه صوب التخصص في شعب المعرفة جميعا، وإعادة بناء العقل الجماعي في ضوء هدايات معرفة الوحي ومرجعية القيم الإسلامية في الكتاب والسنة.
ذلك أن العقل هو مناط التكليف ومحل الوحي.. وهداية الوحي هي التي رشدت العقل ومنحته مفاتيح قراءة الكون والحياة منذ النشأة الأولى،
قال تعالى:
( وعلم آدم الأسماء كلها ) (البقرة: 31) ،
كما منحته القيم الضابطة التي تؤطر أنشطته وسعيه الإنساني في المجالات المتعددة، فكان العقل المسلم الذي جاء ثمرة لهدايات الوحي،
[ ص: 10 ] عقلا يقظا واعيا، مسئولا، غائيا، تعليليا، تحليليا، برهانيا، استقرائيا، استنتاجيا، يستكشف العلل والمقاصد ويتعرف على الأسباب ويدرك أن الله سبحانه وتعالى لم يخلقنا عبثا،
قال تعالى:
( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ) (المؤمنون: 115) ،
وأنه ما من شيء في الوجود، إلا وله علة وسبب، وتحكم مسيرته سنة وقانون، ويسير إلى هدف وغاية.. وما لم يدرك العقل ذلك ويتحقق به، يصبح صاحبه كلا معطلا يصعب عليه التعامل مع الحياة والأحياء، وتغيب عنه مفاتيح عالم الشهادة، ويفتقد القدرة على تسخير ما هيأه الله له، ويعجز عن حمل أمانة المسئولية التي عجزت السماوات والأرض والجبال عن حملها، وحملها الإنسان، لأنه المخلوق الوحيد الذي كرم بالعقل، ومنح ملكة الإرادة وحرية الاختيار، فكان ذلك سببا في تسخير السماوات والأرض والجبال له،
يقول تعالى:
( وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه ) (الجاثية : 13) .
لذلك نقول: لا مكان في العقل المسلم الذي تحقق بمعرفة الوحي للإيمان بالمصادفة، والعشوائية، والخوارقية، ولا مجال عنده لانتفاء الأسباب وافتقاد الغايات.. فالملاحظة والاختبار والتعرف إلى كنه الأشياء وقوانينها التي تحكمها هو تكليف شرعي، وهو سبيل النمو والارتقاء الإنساني والكشف العلمي ورؤية الآيات في الأنفس والآفاق، وزيادة الوعي بالحياة، والشعور بالحاجة الملحة إلى معرفة الحق الذي
[ ص: 11 ] يوصل إلى الأمن الذي يتأتى من الإيمان بخالق الحياة..
قال تعالى:
( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) (فصلت : 53) .
بل لقد جعل الله السنن والقوانين التي تحكم الحياة والأحياء مطردة لا تتبدل ولا تتحول، شأنها في ذلك شأن القوانين التي تحكم الوجود الكوني المادي وإن دقت وخفيت، وصعب أو تأخر اكتشافها.. لذلك طلب الإسلام من العقل استيعاب هذه السنن والأسباب بعد أن شرعها له وخاطبه بها، وناط اكتشافها به، وجعل التعامل معها غاية التكليف ومناط التفكير، ودلل على اطـرادها وفاعليتـها بالعبرة التاريخية، فقد لا يتسع عمر الإنسان لبلوغ نتائجها أو التحقق بعواقبها.
وبالإمكان القول: إن القيم الإسلامية والرؤية التربوية الإسلامية استطاعت بعد المجازفات والتجارب التاريخية المريرة التي عانت منها البشرية، أن تنقذ العقل المسلم والوعي المعرفي بشكل عام من الانشطار الثقافي والتربوي، وخلصت هذا العقل من أن يكون محلا للصراع والتبعثر والتفتت بين الوحي والعقل، أو بين القدر والحرية، بين المعجزة (كسنة خارقة) وبين السبب (كسنة جارية) ، وتجعله يدرك أن السنة الخارقة أو المعجزة هي في الحقيقة دليل على وجود الله وقدرته، وهي من بعض الوجوه دليل على اطراد السنن الجارية والأسباب الموصلة إلى النتائج، لأن القدرة على خرقها لا تكون إلا من الذي خلقها.
[ ص: 12 ]
فالمعجزة هي خرق الأسباب والقوانين الجارية، وإنما جاءت للتدليل على صدق النبوة ولتؤكد على قدرة الله خالق الأسباب، وأنه وحده القادر على خرقها وحصول النتائج بدون وجود مقدماتها، وأن الله الذي دلل على صدق النبوة بالمعجزات هو الذي أراد جعل الأسباب والقوانين التي تحكم الحياة والأحياء هي أقداره الموصلة إلى تحقيق نتائجها، وتعبد الإنسان بكيفية التعامل معها، واعتبر ذلك غاية التكليف وتحقيق العبودية، ورتب على ذلك الثواب والعقاب.
لذلك جعل الله السير في الأرض، والتبصر بأحوال الأمم الماضية، والتعرف إلى مسالكها وممارساتها، والإصابات التي لحقت بها، والاهتداء إلى أسباب سقوطها، من الفروض التربوية، وبشكل أعم من الفروض الحضارية، ذلك أن التعرف على الأسباب، والبحث في العلل والغايات، والتفكير بالسنن والأسباب التي تحكم الأنفس والآفاق، والتدريب على ذلك في المؤسسات التعليمية والتربوية والمختبرات التاريخية، هو السبيل إلى امتلاك القدرة على التسخير الذي كلفنا الله به،
والتغيير الذي ناطه بإرادتنا :
( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) (الرعد:11) ،
وتحقيق التنمية والوقاية الحضارية التي أرادها لأمة الرسالة الخاتمة، والخروج من عملية التلقين والتقليد والتحجر والتيبس والجمود على حال تفضي إلى العطالة والخروج من الحياة.
[ ص: 13 ]
لقد زود الله الإنسان بالقابليات التي تكاد تكون مطلقة للنمو والنهوض:
( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ) (النحل : 78) ،
ومكنه من الأدوات المعرفية التي ترقى بوعيه واستيعابه وتأهيله للقيام بمهمته، وتحقيق إنسانيته، كما حدد له المجالات المجدية للبحث والتفكير والنظر، وجعل عالم الشهادة من الوسائل المعينة على إدراك عالم الغيب، حماية لملكاته من التبعثر والهدر والضلال، وجعل تشغيل العقل والنظر في نفسه ومن حوله وما حوله والتعرف إلى العواقب ورصد النتائج، هو سبيل المعرفة الحقيقية والإيمان الصحيح وتحقيق اليقين، وجعل التعليم وتحصيل المعرفة من الفروض العينية، واعتبر ذلك واجبا عليه وليس حقا له فقط، وأثاب على ذلك التفكير وممارسة النظر وبذل الجهد حتى ولو كان اجتهادا خاطئا، لأن الخطأ في النهاية هو إحدى الطرق الموصلة إلى الصواب.
لقد نعى الوحي على المعطل لعقله وتفكيره، وأسقطه إلى درك الجمادات، واعتبره كالذي ينعق بما لا يسمع،
قال تعالى:
( ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون ) (البقـرة: 171 ) ..
فالفقه والوعي والتدين السليم، لا يتحصل إلا بتشغيل العقل وكسب المعرفة.. كما نعى على الذين تنشأ شخصايتهم من خلال التقليد والموروث
[ ص: 14 ] الاجتماعي دون اكتساب المعايير التي تمكن من اختبار هذا الموروث والحكم على صلاحه أو فساده،
قال تعالى:
( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ) (البقرة: 170) .
وبذلك فك الإسلام قيود التقليد، وحرر العقل من المسبق غير الصالح، ودفعه باتجاه الكسب المعرفي بعد وزنه وتمحيصه.
كما نعى الإسلام على التقليد والمقلدين حتى ولو كانت عمليات التقليد والمحاكاة تدور في مجال الإيمان الحق، لأنه أراد أن يكون التدين والاعتقاد ثمرة اختيار واقتناع، وليس بسبب وراثة ومحاكاة وتعطيل ملكات.. ويكاد يجمع العلماء على أن إيمان المقلد لا يجوز، وفي هذا ما فيه من استرداد لكرامة الإنسان واحترام لعقله وتحقيق لإنسانيته وتكريم لآدميته.
وبذلك يتحقق لأول مرة في مجال التدين، أن العلم والتفكير وإيقاظ الوعي واكتساب العبرة طريق الإيمان، وأن الإيمان هو المحرض والموجه لاكتساب العلم والمعرفة، حتى إننا لنستطيع أن نقول: بأن الإسلام جعل الإيمان علما والعلم إيمـانا، وتجاوز آفاق العلم التجريبي وما وصل إليه من اليقينيات في المجال الإنساني، فتحدى الإسلام بالعواقب والمآلات، ولم يتوقف عند حدود ترتب النتائج القريبة -والمعروف أن العواقب آكد من الناحية العلمية والمعرفية من النتائج
[ ص: 15 ] التي قد تشكل حالات طارئة وغير مستمرة- وبذلك تخلص الإنسان بالقيم الإسلامية أو الرؤية الإسلامية للتربية والمعرفة، من الفصام الثقافي بين العلم والإيمان، وبين التفكير والتلقين، بين الاجتهاد والتقليد، وانطلق المسلمون في مجال البناء التربوي والكسب المعرفي دون أية عوائق أو عقبات أو منغصات أو عقد موهومة بسبب التناكر مع معرفة الوحي.
ونقول بكل اليقين: إن التاريخ العلمي البشري فيما وصل إليه من الحقائق واليقينيات لم يسجل إصابة واحدة على القيم والنصوص الإسلامية، وإنما كان سبيلا ليقظة العقل وعودة الوعي واستئناف التوجه صوب الدين الصحيح، بما يحققه من الأمن واليقين.. فالارتقاء بالعلم وزيادة مساحة العلم والرؤية المعرفية يتيح تبين الحق والوصول إلى اليقين والإيمان،
قال تعالى:
( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) (فصلت : 53) .
فالكسب المعرفي بما يرتبه من تشريف في الدنيا وثواب في الآخرة، وبسبب عطاء القيم الإيمانية وقدرتها على تحديد مجالات البحث المجدية وتوجيه نتائج العلم لخير البشرية، وربط الجهود العلمية والتربوية بأهدافها، تتحقق إنسانية الإنسان، وإلا تحول العلم إلى وسيلة دمار وتفريق وبغي، ولحقت بالأمة علل التدين الحضاري والثقافي كحال الأمم السابقة،
قال تعالى:
( وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم [ ص: 16 ] العلم بغيا بينهم ) (الشورى:14) ، ذلك أن انفصال العلم عن الإيمان، سوف يؤدي إلى البغي والظلم.. وشواهد الإدانة من الواقع على توظيف العلم للبغي، أكثر من أن تحصى.
لذلك لم يقتصر الإسلام على التأكيد على تحصيل المعرفة، وإنما أكد على الالتزام بخلق وأدب المعرفة أيضا، لما لذلك من أهمية تعادل الكسب المعرفي،
قال تعالى:
( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله ) (يونس :39 )
ونهى المسلم عن اتباع الظن والهوى،
قال تعالى:
( إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ) (الأنعام : 116)
وقال تعالى:
( أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا ) (الفرقان : 43)
وجعل المعرفة مرتبطة ببرهانها ودليلها، كما جعل البرهان دليل صدقها، وكان الطلب الخالد المربي للعقل :
( ...قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) (النمل : 64 ) .
كما جعل الإسلام الحكم على الشيء فرعا عن تصوره وعلمه،
فقال تعالى:
( ولا تقف ما ليس لك به علم ) (الإسراء : 36 ) ،
وجعل الإنسان مسئولا عن حواسه (نوافذ معرفته) ، ووسائلها، وجعله مسئولا عن تعطيلها وعدم تشغيلها، كما جعله مسئولا عن عدم الالتزام بعطائها،
فقال تعالى:
( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) (الإسراء : 36)
لذلك فالمسئولية هنا مزدوجة،
[ ص: 17 ] مسئولية عن التشغيل والتحريك والكسب المعرفي، ومسئولية عن الالتزام بخلق المعرفة وأدبها وثمراتها.
ومن هنا ندرك لماذا جعل الإسلام أهل الخبرة والمعرفة محل السؤال والتعليم :
( ولا ينبئك مثل خبير ) (فاطر : 14 ) ،
( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) (النحل : 43) ،
وضبط المسيرة العلمية بأهدافها، وكان دعاء الرسول القدوة صلى الله عليه وسلم الدائب:
( اللهم إني أسألك علما نافعا ) أخرجه
مسلم في صحيحه . وكان يستعيذ بالله من علم لا ينفع، ويجمع في استعاذته من العلم الذي لا ينفع، القلب الذي لا يخشع والدعاء الذي لا يستجاب، لأن المحصلة واحدة، فهي جميعا أشياء ووسائل ومسالك وممارسات لا خير فيها إذا كانت مقطوعة عن أهدافها وثمراتها.
وبالإمكان القول هنا: بأن الدين والإيمان الصحيح أو معرفة الوحي بشكل أخص لا تقتصر على ضبط مسيرة العلم والمعرفة ومنحها الإطار المرجعي وحمايتها من الهدر والتبعثر والضلال وانفلات العلم عن أهدافه وتحوله إلى ساحة الظلم والبغي، وإنما هي أشبه ما تكون بالبوصلة التي تحدد الوجهة، ودليل التشغيل الذي يحرك الآلة ويحولها من السكون والتوقف إلى الإنتاج والعطاء، ويحدد الخلل الذي قد يلحق بها، ويكون قادرا على الهداية إلى الحل وتصويب الخلل.
وتشتد الحاجة إلى ضبط العلم بأهدافه، والتزام المعرفة بآدابها
[ ص: 18 ] وأخلاقها وتوجيهها الوجهة الخيرة لمحاصرة الظلم والحيلولة دون البغي أكثر فـأكثر في هذا العصر، الذي يشهد يوميا تقدما علميا وتراكما معرفيا وثورة معلوماتية تجعل العلم والمعرفة هما قوة المستقبل الحقيقية، فالذي يمتلك العلم والمعرفة يمتلك المستقبل، بل يمتلك العالم.. فكيف له أن يتصرف فيه، ويصرف العلم إلى ساحات الخير؟
هنا يأتي دور القيم التربوية، التي تضبط المسار وتحول دون البغي.
ولعل قضية الإيمان بالله سبحانه وتعالى، واهب القدرات، وخالق المؤهلات، والهادي إلى طريق الصواب، المقدر للسعي، المحاسب عليه، الذي لا تخفى عليه خافية، هي القضية الأهم في البناء التربوي، حيث ينمو الوازع الداخلي واستشعار المسئولية عن الفعل، والرغبة في تخليص السلوك من الشوائب، ومحاولة الانضباط بخلق المعرفة وأهدافها المشروعة.
وقد تكون الإشكالية الحقيقية سواء في المجال التربوي أو في المجالات المعرفية الأخرى بشكل عام هي في الخلط بين القيم والمبادئ كأطر ومرجعيات وضوابط وموجهات ومعايير متأتية من معرفة الوحي المعصومة الخالدة المجردة عن حدود الزمان والمكان، وبين البرامج والخطط والمناهج كجهود بشرية في محاولة اجتهادية لتنزيل القيم على الواقع، أو تقويم الواقع بها والتعامل معها من خلال الاستطاعات والإمكانيات المتوفرة. وهذه الاجتهادات بطبيعتها قابلة للمراجعة والخطأ والصواب،
[ ص: 19 ] والنجاح والفشل، والتغيير والتبديل والتعديل والنقد والنقض. وصوابها في عصر وقدرتها على إنتاج تربوي مقدور في ضوء ظروف مجتمع معين وزمان معين لا يعني بالضرورة قدرتها على البناء التربوي في كل عصر ومجتمع، حسب تطور ظروفه ومشكلاته.
لذلك لا بد في الفعل التربوي والمعرفي من التفريق بين القيم والمبادئ، سواء من حيث طبيعتها ومصدرها وخلودها، وبين البرامج التي هي في نهاية المطاف اجتهاد بشري في إطار الوسائل والأساليب للتنشئة التربوية.
ولعل من الخير الكثير، الذي يعني أول ما يعني تكريم الإنسان واحترام عقله وإطلاق إرادته وبناء شخصيته الاستقلالية، أن تتاح لهذا الإنسان الحركة والتفكير والاجتهاد والحوار والنقاش والتشاور، للوصول إلى البرامج الأفضل، والجرأة على النقض والنقد للبرامج العاجزة عن الإنتاج، دون الشعور بالقدسية للبرامج، لأنها نوع من الفهم والاجتهاد والتدين الذي قد يخطئ وقد يصيب، والنقد والمراجعة لها لا يعني بحال من الأحوال النيل من الدين وقيمه المعصومة.
وإذا كانت أقدار التدين تنمو وتخبو، والإيمان يزيد وينقص، فلا بد للمعنيين بشأن التربية في كل عصر من فهم الواقع وحاجاته وإشكالياته وإصاباته، والتبصر بالأساليب التي تعتمد لإعداد النشء للتعامل مع هذا الواقع، بعيدا عن التربية النظرية أو البناء والرسم في الفراغ.. وتتلخص
[ ص: 20 ] العملية التربوية في كل عصر بالسؤال الكبير: لم نعد النشء؟ وكيف نعده؟ وأين موقعنا من الفضاء الحضاري العالمي؟ وما هي المساحات التي يمكن أن نملأها في هذه المرحلة في ضوء إمكاناتنا وظروفنا؟
ولا بد لنا من الاعتراف بأن الجدل حول مفهوم التربية وتعريفها ودورها ووظيفتها في الفرد والمجتمع، قد يكون استغرق الجهد كله تقريبا، بدل التفكير في آليات تطبيقها وتحقيق وظيفتها في الأمة.. وقد تكون هناك قيم كثيرة يثار الجدل حول مضامينها، وتتباين الرؤى حول مفهومها، وتغيب وظائفها عن الإنتاج المأمول في المجتمع.. وأخشى ما نخشاه أن يقع هذا الجهد الذهني المجرد البعيد عن الواقع الميداني في خانة الحظر الوارد في حديث النهي عن الجدال وكراهية: (قيل وقال) ، فيضيع الأجر والعمر معا وتضيع الأمة في متاهات الفلسفات الباردة المجردة، التي لا حظ لها من التطبيق.
ونستطيع القول: بأن عصور التألق الحضاري توفرت لها وظائف هذه القيم والمفهومات، وإن غاب تعريفها وتأسيس مفهوماتها وتحرير مدلولاتها. لذلك كان جهد النبوة ومعرفة الوحي، تربية العقل وتوجيهه صوب التفكير السليم، وتحويل الفكر إلى فعل، وترجمة العقيدة إلى عمل وسلوك، وليس التفيقه والمضغ النظري للأفكار، فاستطاعت التغيير والإصلاح، وواجهت الجدل والفتن والقيل والقال بالمبادرة إلى حسم الأمر تربويا في ساحة العمل والميدان، يقول
[ ص: 21 ] الرسول صلى الله عليه وسلم:
( بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل ) (أخرجه
مسلم في صحيحه عن
أبي هريرة ) .
وقد تكون بعض جوانب المشكلة، في كثرة الكلام عن أهمية القيم الإسلامية ودورها في البناء التربوي، تلك القضية التي لم يتبق محل لأي تشكك فيها أو النيل من قدرتها، خاصة وقد أنتجت أجيالا ما تزال تفخر بها وتحاول محاكاتها الحضارات البشرية، دون أن يحقق الكلام عن هذه القيم والحماس لها أقدارا من الإنتاج المأمول، الأمر الذي يشكل أزمة ثقة، وقد يعود على هذه القيم بالإجهاض لها من الداخل، على يد أصحابها المتحمسين لها، العاجزين عن تحويلها إلى منتج تربوي ملموس، ذلك أنه من الناحية التربوية تبقى العبرة بالإنتاج والقدرة على تجاوز العقبات والمعوقات، وليس بالادعاء، حتى ولو ساندها التاريخ.
لذلك فقد يكون التوجه صوب الإنتاج المثير للاقتداء، وتنزيل القيم على الواقع، ووضع البرامج والمناهج والوسائل التربوية المتطورة بحسب حال المجتمع ومعاناته ومشكلاته، هو السبيل والدليل على صدقية القيم وقدرتها على الإنتاج وتحقيق خلودها وعطائها المستمر.. من هنا تتعين ضرورة العودة لاختبار الخطاب والفعل التربوي في المجالات المتعددة والمراحل المختلفة، الذي ما يزال يغيب في الماضي ليقرر
[ ص: 22 ] (كيف كنا) ، والاقتصار في ذلك على الأقدار المطلوبة للارتكاز التربوي الحضاري، والتحول الجاد إلى طرح إشكالية: (كيف نكون) ، في ضوء مرجعية القيم التربوية الإسلامية والظروف المحيطة، والإمكانات المتوفرة، والواقع القائم بكل معاناته وإصاباته.
وهنا حقيقة قد يكون من المفيد التوقف عندها، وهي أن الكثير من الجهود الفكرية في المجالات التربوية وغيرها، لم تتجاوز مرحلة التأرجح والمراوحة بين الكلام عن القيم الإسلامية وعطائها الحضاري والتاريخي، مع العجز عن تطوير وسائلها ورؤيتها وأدواتها المعاصرة، وبين القيم التربوية الغربية ومحاولة دفع الافتتان بها، سواء كانت هذه الجهود في مجال المقارنة وبيان التميز في النظرية والإنتاج، أو كانت هذه الجهود في مجال المقاربة ومحاولة التفتيش عن المواقع المشتركة، لعل ذلك يعطي القيم التربوية الإسلامية بعض الثقة عند (الآخر) أو عند تلامذته في الواقع الإسلامي.
كذلك يمكن تصنيف الكثير من الدراسات التربوية الإسلامية في خانة المقاربة أو المقارنة للدراسات التربوية الغربية، لذلك جاء معظمها رهينا للمناهج البحثية والمنظومة المعرفية الغربية، ولم تأت ثمرة لتطور المجتمع العربي الإسلامي، وتؤسس في ضوء حاجاته ومعالجة مشكلاته، فجاء تأثيرها وعطاؤها محدودا في الواقع الإسلامي.
فعلى الرغم من إنشاء وتأسيس عشرات كليات التربية في
[ ص: 23 ] الجامعات العربية والإسلامية، فإن العملية التربوية والتعليمية ما تزال في تقهقر وتراجع مستمرين في المحصلة النهائية، مهما كانت مساحات التلاوم والتقاذف بإلقاء التبعات وإرجاع الأسباب.. ولعل السبب الرئيس لذلك أنها جاءت ضمن مناخ المناهج المعرفية ومعالجة قضايا المجتمعات غير الإسلامية.. لقد جاءت مبتورة عن مرجعيتها ومعادلة الأمة الاجتماعية، فكانت الأزمة، بل كانت الكارثة.
ومهما حاولنا الإلقاء بالتبعة على الآخرين في الميادين المختلفة، تبقى التربية هي المسئول الرئيس عن كل الإصابات الواقعة للفرد والمجتمع، ذلك أن أدوات ووسائل التغيير والتأثير الأخرى، الإعلامية والثقافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية، إنما تخرج أشخاصها وقادتها والقائمون على شأنها من رحم المؤسسة التربوية. وعلى هذا، قد يصدق عليها من بعض الوجوه قوله تعالى، حكاية عن إصابات الشيطان للإنسان الغافل :
( فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ) (إبراهيم:22) .
والعملية التربوية -كما هو متيقن- عملية مديدة، تتطلب جهدا متميزا، وصبرا مقتديا بأولي العزم من الرسل، وعزيمة ماضية، وتوكلا على الله بعد هذا كله في إدراك النتائج وتحقيق الأهداف،
قال تعالى :
( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ) (الأحقاف: 35)
وإدراكا دقيقا لمشاق الطريق، ومراجعة دائبة لوسائل العمل ومناهجه،
[ ص: 24 ] وإدانة جريئة لوسائل وأدوات التوصيل عند تخلف النتائج، وتقويما مستمرا لكل مرحلة، وتعديلا وتطويرا في ضوء المشاهدات الميدانية والتغييرات الاجتماعية.. ذلك أن المشكلة التي تعاني منها العملية التربوية، وجميع العمليات التغييرية، أن الدنيا تتطور وتتغير، والمشكلات تتبدل، ونحن نصر على التعامل مع كل المتغيرات بالوسائل نفسها، وكأن الوسائل -وهي اجتهادات بشرية- اكتسبت صفة القدسية، سواء أكان ذلك بسبب نجاحها في حقبة معينة، أو بغفلة الإنسان، الذي نقل القدسية من القيم والأهداف أو من النصوص الواردة في الكتاب والسنة، أو معرفة الوحي، إلى الاجتهاد البشري أو المعرفة البشرية.
وتأتي صعوبة العملية التربوية، بأن محلها وموضوعها الإنسان، بكل خصائصه وصفاته، بكل دوافعه وطبائعه ونوازعه وغرائزه، وأن وسيلتها الإنسان أيضا، فهو الهدف وهو الوسيلة معا.
لذلك نؤكد القـول: بأن العمـليـة التربوية عملية مديدة، فقد لا تظهر نتائجها ضمن إطار الزمن المحسوب لها، على أهمية الزمن ودوره في العملية التربوية، وقد نجتهد ونجتهد، لكننا لا نصيب المداخل الصحيحة للإنسان.. فلا بد أن ندين وسائلنا ونعاود الأمر، لأن جزءا من الهداية يبقى خارجا عن طاقة المربي،
يقول تعالى:
( فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك ) (غافر : 77) فقد
[ ص: 25 ] يقضي بعض المربين دون أن يدرك النتائج، وقد تتأخر النتائج، فالكثير من جيل خير القرون، جيل الصحابة، مضى عليه أكثر من عشر سنوات، وبعضهم خمس عشرة سنة، يستمع إلى القرآن والبيان النبوي والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، ومع ذلك لم يؤمن ولم تتحقق الاستجابة إلا بعد حين.
وهنا لا بد أن نشير إلى أن العمر التربوي لا يقتصر على سن دون أخرى، على الرغم من تفاوت استعدادات التأثر وقابليات التلقي، وإنما محله الإنسان منذ الولادة وحتى الوفاة. فالعملية التربوية محلها الإنسان، بكل تعقيداته وكينونته ومراحل حياته.
وهنا نرى قضية على غاية من الأهمية، وهي أنه على الرغم من أهمية الاستبطان في العملية التربوية، إلا أن الفوارق الفردية والظروف المحيطة والثقافة المتوارثة والمناخ الأسري، وكل العوامل الأخرى، تجعل الأمر من الصعوبة بمكان، لذلك يبقى اختيار نوعية القيم التربوية التي تشكل المرجعية والوسائل والبرامج التربوية التي تتعامل مع التنشئة هو المحور الأساس في العملية التربوية. فإذا كان الإنسان هو الذي يصنع التربية ويصنع بها، أو ينشئ التربية وينشأ بها، فإن الأمر يزداد تعقيدا.
والأمر الذي يقتضي معاودة الطرح، ليس على سبيل التكرار وإنما على سبيل التأكيد والإيضاح لأهميته في هذا السياق، هو أن المعارف في المجالات الاجتماعية والإنسانية عامة وعلى رأسها المعارف التربوية،
[ ص: 26 ] على الرغم من كل ما يتوافر لها من الدقة والتمحيص أو الموضوعية والمنهجية، لا تخرج عن كونها معارف ظنية، بعيدة عن الحسم واليقين، لذلك نرى العلوم الاجتماعية والإنسانية عند كل الأمم وفي كل الثقافات مشبعة بمئات الرؤى والفلسفات والمذاهب والمناهج المتضاربة والمتناقضة والمتعارضة في الأمة الواحدة والزمن الواحد، وحتى في بعض الأحيان عند الإنسان نفسه، الذي يقتضي تطور فكره وعمره وكسبه تغيير نظرته للأشياء وحكمه عليها من وقت لآخر، لدرجة قيل معها: بأن الإنسان الذي يراجع وينظر فيما رآه دون تعديل أو تطوير أو تبديل فذلك يعني توقف عقله عن النمو، وتجمده عن الامتداد والنظر.
وإذا كان ذلك كذلك، وإذا كان الإنسان ابن بيئته التربوية إلى درجة يصعب عليه الانفكاك عنها أو الانفلات منها، لأنه تشكل بها، وإذا كانت معارفه ومكتسباته ظنية لا ثقة فيها، فمعنى ذلك أنه تربويا لا بد له من قيم تربوية تحقق له عملية انتشال من خارج نفسه ومعارفه وبيئته التربوية.. لا بد له من قيم ومعارف ترتكز إلى اليقين والثبات، وهذا الأمر لا يتأتى إلا من معرفة قادمة من خارج نفسه وظروفه وبيئته.. لا بد له من معرفة يقينية يطمئن إلى مصدرها ويؤمن به، ليستيقن بها، ويستبين طريق الهدى من خلالها، وهي هنا معرفة الوحي المعصوم في الكتاب والسنة، التي توافرت لها شروط النقل المعروفة، فهي يقينية ومعصومة ومصدرها الرب المربي، الذي خلق
[ ص: 27 ] الإنسان، وهو أعرف بدوافعه ونوازعه وطبائعه وخصائصه.. وهي بطبيعتها ومصدرها، تبقى بعيدة عن التحيز والتأثر بالإنسان، بعيدة عن أهوائه وشهواته وميوله وعصبياته،
قال الله تعالى:
( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) (تبارك : 14) .
ويكفي هنا أن يقوم الإنسان بمقارنة أو مقاربة بين عطاء النبوة العملي في مجال التربية أو التغيير، وعطاء الفلسفة المنفلتة عن النبوة، التي ترتكز على المعرفة البشرية وحدها وما أورثته من التبعثر والضياع والضلال وعدم الاستقرار واليقين.
لذلك نقول: بأن معظم دعوات الإصلاح والتغيير والتربية، لم تستطع فك قيود التخلف، أو بتعبير آخر الانفكاك عن الأزمة، وإنما استمرت في الجريان بفلكها، لأن ثقافة التغيير أو تربية التغيير جاءت من إنتاج ثقافة التخلف نفسها، والإنسان ابن ثقافته وابن بيئته، لذلك لا بد من عملية انتشال -كما أسلفنا- من خارج الأزمة، وذلك عن طريق قيم النـبوة، لأنها تأتي من خـارج الحـالة الثقـافية، إضـافة إلى ما يتحقق لها من اليقينية والتجربة التاريخية الحضارية التي تمنح الثقة. فمعرفة الوحي بالنسبة للعلوم والمعارف الإنسانية والاجتماعية تتحقق بالقطع واليقين، مثلما تتمتع التجربة المعملية في العلوم التجريبية أو التطبيقية باليقين المشاهد، وبذلك تكون بمثابة سفينة النجاة من الناحية التربوية.
[ ص: 28 ]
وبعد:
فإن الكتاب يعتبر اجتهادا مقدرا في محاولة لإعادة النظر في أنساق القيم التربوية التي توجه السلوك، بعيدا عن التصورات التي أدت إلى الأزمة التربوية، أو التي ما تزال تنطلق منها، وتدور في فلكها، واستلهام التراث أو استشراف الماضي للإجابة عن أسئلة الحاضر، ومعالجة مشكلاته، والنظر في كيفية تنزيل القيم التربوية الإسلامية على الواقع، كسياسة ومناهج ووسائل تستوعب الحاضر وتحدد الموقع المناسب للإقلاع من جديد، في إطار تصويب الخطوة وضمن الإمكانات والاستطاعات المتاحة، انطلاقا من مرجعية معرفة الوحي التي تشكل دليل العمل وتحدد الأهداف وتمنح اليقين.
ذلك أن سمة الخلود في القيم التربوية الإسلامية المجردة عن حدود الزمان والمكان، تعني القدرة على الإنتاج في كل زمان ومكان، وامتلاك القدرة على توليد رؤى ووسائل ومناهج تربوية قادرة على انتشال الإنسان من أزمته، وتخليصه من الصراع والانشطار الثقافي، وتطوير خصائصه وصفاته، واستشعار مسئوليته تجاه نفسه وأمته والبشرية جمعاء، وقدرته على الإفادة من المعارف البشرية في المجالات المتعددة في ضوء معايير معرفة الوحي التي تؤكد على التزام المنهج العلمي في النظر والاستدلال والكشف والملاحظة والبرهان، كما تضبط مسيرته العلمية بأهدافها ومقاصدها الخيرة.
[ ص: 29 ]
ولعل من أهم المشكلات التي ما نزال نعانى منها. أن العطاء التربوي في الواقع الإسلامي جاء في معظمه صدى للرؤى التربوية الغربية، واستنطاق القيم التربوية الإسلامية في المجالات التي طرحتها، سواء في ذلك من سلك منهج المقاربة أو حاول تحقيق أقدار من المقارنة، بعيدا عن حاجات الأمة الحقيقية وواقعها وأزمتها التربوية.
كما أن معظم الكتابات أيضا، إنما جاءت في إطار التشخيص وبيان الأمراض، والامتداد أحيانا إلى دراسة الأسباب، إلى جانب رصد الآثار.. والقليل، القليل جدا منها، الذي حاول وصف الدواء وبناء سبيل الخروج من الأزمة.
وقد تكون ميزة هذا الكتاب، أنه قدم مسحا أو رصدا لوجهات النظر المتعددة، مما يتيح للقارئ والباحث بعض النوافذ، التي تمكنه من رؤية المصادر والمراجع والوجهات المتعددة، ليكون في صورة الإنتاج التربوي وتقويمه وتحديد المواقع المطلوب ولوجها ومعالجتها، للوصول إلى المستوى المأمول، وإبراز دور القيم التربوية الإسلامية، واسترداده من ثم في إنتاج النماذج الغائبة عن الواقع التربوي.
والحمد لله رب العالمين.
[ ص: 30 ]