طبيعة القيم في نظر الإسلام إن النظرة الإسلامية للقيم تتصف بالكمال، لأنها تنبع من المذهبية الكاملة، لأن مصدرها هو الله عز وجل الذي يعلم خبايا
[ ص: 64 ] الإنسان والكون وسننه، التي في إطارها يتحرك الإنسان ويمارس وظيفته في الحياة:
( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف ) (الملك : 14) ،
( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ) (غافر:19) .
فالإسلام الذي حرر الإنسان من عبودية نفسه، ومن الغرور، أمده بالتصور الصحيح، وحدد له الضوابط التي ينبغي أن يقف عندها، إذا هو أراد أن يحترم عقله ونفسه، والتي إذا تجاوزها لطيش أو غرور، وقع لا محالة في تناقضات صارخة، وحكم على نفسه بالتيه والدوران في دوامة محرقة.
نخلص إلى القول بأن العلاقة بين الثقافة والقيم التربوية علاقة وثيقة لا تقبل الانفصام. فالقيم التربوية لا بد لها من جذور تستمد منها قوام حياتها وتصورها العام، الذي هو مبرر وجودها، وإلى أن تلك القيم بطبيعة تكوينها وما تحمله من شحنات مثيرة لفعاليات الإنسان وقواه، لا بد أن تطبع سلوكه بطابع معين يتناسب مع تلك الشحنات ودرجتها من القوة أو الضعف، أو من السلامة أو الشذوذ. وكم هو دقيق ذلك التشبيه الذي وضعه مالك بن نبي رحمه الله للثقافة حيث يقول: (وإذا أردنا إيضاحا أوسع لوظيفة الثقافة، فلنمثل لها بوظيفة الدم، فهو يتركب من الكريات الحمراء والبيضاء، وكلاهما يسبح في سائل واحد من "البلازما" ليغذي الجسد.. فالثقافة هي ذلك الدم في جسم المجتمع، يغذي حضارته، ويحمل أفكار "العامة"، وكل من هذه الأفكار منسجم في سائل واحد من الاستعدادات المتشابهة والاتجاهات
[ ص: 65 ] الموحدة والأذواق المتناسبة)
>[1]
إذا كانت الثقافة -إذن- بمثابة الدم الذي يسري في أوصال المجتمع، فإن حال ذلك المجتمع تكون رهينة بطبيعة ذلك الدم، فإن كان نقيا مبرأ من جراثيم الفساد، محملا بعناصر القوة والعافية، عاد على المجتمع بالقوة والنماء، وإن كان مشحونا بجراثيم الفساد والمرض وأخطرها فيروس انعدام المناعة، آلت حالة المجتمع إلى التآكل والانهيار.