مناقشة الحجة الثانية
في وسع المتأمل لمناقشتنا للحجة الأولى أن يستشف إمكان دحض الحجة الثانية. صحيح إن الصوائت العربية محدودة العدد قياسا بعددها في لغات أخرى كالفرنسية والإنجليزية والتركية، بيد أن هذا لا يستدعي إلغاء الكتابة العربية.
فالناظر إلى الحروف التركية الجديدة الدالة على الصوائت،
[ ص: 138 ] سيجد أنها لم تترك بعض حروف العلة اللاتينية على حالها، بل أجرت فيها تغييرات للدلالة على التغيير في نطقها. فنجدها تضع حرف ثمانية عربيا صغيرا على ( a) ، ونقطتـين فـوق حرف (u) ، ونقطتين فوق حرف ( o) ، وهكذا مما يماثل -إلى حد ما- بعضا مما في الألمانية والفرنسية.
والغريب حقا أن تلجأ التركية الحديثة إلى استعارة التغييرات التي تستعين بها الألمانية والفرنسية في أشكال الحروف للتعبير عن التنوعات في الصوائت، ولا تفعل ذلك بحروفها العربية. بعبارة أخرى: أما كان في وسع اللغة التركية إدخال تغييرات على أحرف العلة العربية لتستوعب الصوائت التركية التي لا وجود لها في العربية؟
ونجد مصداق رأينا هذا في لغة كالفارسية، تستخدم الحروف العربية ولكنها طوعت قسما منها لتعبر عن أصوات فارسية لا وجود لها في العربية الفصحى. فنجد أن الباء المهموسة، وهي التي نجدها في حرف ( p ) الإنجليزي، موجودة في الفارسية، غير معترف بها في العربية الفصحى. فلجأ الفرس
[ ص: 139 ] إلى كتابة هذا الصوت بوضع نقطتين أخريين زيادة على النقطة الموجودة في الباء، ليصبح المجموع ثلاث نقاط. وللتعبير عن الصوت الأول الموجود في كلمة chair الإنجليزي نجد الفارسية تضع ثلاث نقاط تحت الحاء، وهكذا
>[1] . وتفعل الكردية فعل الفارسية في هذا الخصوص.
وقد يقال: إن التركية أرادت أن تردم الهوة بين كتابتها ونطقها، تلك الهوة التي أشرنا إليها في الفصل الأول، وهي مدار معاناة كثير من اللغات. بيد أن علاج الردم لا يستدعي استخدام هذا الدواء. فالحرف اللاتيني لا يتسم بصفات يفتقر إليها الحرف العربي، بحيث إنه يحل مشكلة تستعصي على الحرف العربي، بدليل أن الكتـابتـين الإنجليـزية والفرنسيـة -كما مر بنا- تعانيان من هذه المشكلة، ولم يفدها الحرف اللاتيني في شيء. ولن يمنع هذا التغيير في الكتابة التركية من نشأة فجوة جديدة (بعد قرون تقل أو تكثر) بين الكتابة والنطق في التركية.
[ ص: 140 ]