مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بدين الهدى ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، فأنار به سبل الخير، ودروب الرشاد، فأمات الكفر والضلالات، ومحا الزيغ والهوى، وأحيا السنن، وأمات البدع، عليه الصلاة والسلام، وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، آمين، وبعد:
فإن الإعلان -كعلم أو فن أو نشاط اجتماعي- يعد أحد فروع علوم الإعلام والاتصال، وأهمها في مجال الدراسات والأبحاث الإعلامية والاتصالية الحديثة والمعاصرة، بالرغم من كونه نشاطا اجتماعيا مارسه الإنسان منذ فجر التاريخ في أغلب نشاطاته وممارساته الحياتية اليومية، ومسربا من مسارب الإعلام والاتصال اللذين مارسهما في مجالات حياته المختلفة.
وقد نالت الدراسات الإعلامية والاتصالية حظها من الاهتمام والبحث في الغرب، بدافع روح الاستكبار الصليبي وحب الهيمنة على مقومات وقدرات الأمم الضعيفة، وعلى رأسها الأمة الإسلامية العاجزة اليوم. ولكنها في الشرق العربي والإسلامي لم تنل حظها من البحث والدرس والاهتمام، كما تقتضيه الضرورة الرسالية الشرعية للأمة الإسلامية حيال نفسها، وحيال الأمم المدعوة الأخرى.
[ ص: 31 ]
وقد عرفت بعض الأقطار العربية والإسلامية في مطلع الستينيات بعض الجهود والإسهامات العلمية، التي بذلها بعض الدارسين والباحثين الإعلاميين والاتصاليين العرب، ممن درس وتكون في الجامعات الغربية، فأضاف للمكتبة الغربية الصليبية والعلمانية في هذا المجال امتدادا استتباعيا تكرس في الجامعات ومراكز البحث وأجهزة الإعلام والاتصال العربية والإسلامية، فصارت علوم الإعلام والاتصال بمنظورها الغربي هي الأساس المرجعي للدارسين والإعلاميين العرب والمسلمين على حد سواء.
ولم ينل الإعلام الإسلامي -كعلم وفن ونشاط اجتماعي، مارسه المسلمون الأوائل في حياتهم الدعوية منذ دعوات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وبلورته الدعوة الإسلامية في قيم وتعاليم التنزيل المطلقة، ثم ممارسات الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم، والسلف الصالح من الأمة- نصيبه من البحث والدرس، والاهتمام العلمي النظري، إلا بفضل بعض الباحثين الإعلاميين العرب، الذين بدأوا دراساتهم الإعلامية والاتصالية ببعض المحاولات الجادة، التي تحمل بذور الاهتمام بطرح رؤى وأفكار إعلامية توحي بوجود معالم قرآنية من التنزيل، وممارسات نبوية ذات معنى وبعد إعلامي واتصالي إسلامي، تشجع على إمكانية التنظير للإعلام الإسلامي، والعمل على صياغة نظرية إعلامية إسلامية شاملة لمختلف فروع الإعلام والاتصال.
كما نالت الدراسات الإعلانية نصيبها الوافر من الاهتمام والبحث والدرس.. في الغرب لدوافـع عقـدية وقيمية وسلوكية وتربوية كامـنة في
[ ص: 32 ] روح النظام الحياتي الغربي المادي. ولكنها في العالم العربي والإسلامي لم تنل حظها من الاهتمام والبحث والدرس، حتى من المنظور الإعلامي والإعلاني الغربي، فلم تكد تصل الدراسات والأبحاث الأكاديمـية في مجال الإعلان القدر المناسب والمستوى العلمي المطلوب
>[1] .
أما الدراسات الإعلانية الأكاديمية التي تنطلق بداءة من الفلسفة الإعلامية الإسلامية، في أسسها وتصوراتها، وفي قيمها ومثلها العليا، وفي مضامينها ورسائلها وممارساتها، وفي وسائلها الاتصالية والإعلامية المشروعة، فإنها ما زالت في بداياتها الأولى.
ومن هنا يتوجب على الإعلام الإسلامي وأجهزته ومؤسساته ورجاله، الاضطلاع بالدور المنوط بهم حضاريا ورساليا ودعويا، لحماية الأمة الإسلامية من عوامل الغزو الإعلامي الغربي، الذي يريد أن يسلخ هذه الأمة من قيم دينها الحنيف، وذلك بما يبثه من سيل التدفق الإعلامي الوثني في أفرادها على اختلاف شرائحهم ومستوياتهم، وبما يتسرب إليهم -بتقنياته الساحرة، وجاذبياته الخيالية- عبر عالم الإعلانات المغري.
وقد دفعني لإنجاز هذه الدراسة، جملة من الدواعي والضرورات
[ ص: 33 ] الرسالية والدعوية، لعل من أهمها:
1- الداعي الرسالي: الذي يمثل أحد مقومات الشهود الحضاري الإسلامي في عالم الإعلانات الجذاب.
2- الداعي الثقافي: حيث يختزل الإعلان بكل مكوناته: اللغوية والسلوكية، والمرئية، والفكرية، والسلعية.. ثقافة وقيم ومبادئ الجهة المعلنة.
3- الداعي الاجتماعي: إذ يضطلع الإعلان، بكل مكوناته، بدور فـاعل في عمليـة التفـاعل الاجتمـاعي، وفي خـلق أو تدعيـم أو مقاومة أو نبذ سلوكيات أو علاقات اجتماعية معينة في المجتمع، بحيث يصبح مسيرا وموجها لكثير من سلوكيات وعلاقات الأفراد والجماعات.
4- الداعي الاقتصادي: حيث يقوم الإعلان بدور فاعل في إنجاح واستمرار الدورة الاقتصادية بدءا من الإنتاج فالتسويق فالاستهلاك.
>[2]
5- الداعي الإعلامي: لكون الإعلان الإسلامي أحد الموارد الرئيسة
[ ص: 34 ] للإعلام الإسلامي عامة، إذ يمده بالنماذج والصيغ الإعلانية الإسـلامية المشـروعة والمتنـوعة وسيلة، التي تعكس نظرة الإسلام المتـزنة للكـون والطبـيعة والنظـام والحياة والإنسان.
>[3]
6- الداعي العلمي: نظرا لندرة الأبحاث الإعلانية الإسلامية، وكثرة الدراسات والأبحاث الإحصائية والكمية والمخبرية، التي تتناول مدى تأثير وفاعلية الإعلان في جمهور المستهلكين الحقيقيين والمرتقبين.
>[4]
7- مساهمة البحث في إنماء المعرفة الإسلامية: لأن إسلامية المعرفة تعني إعادة بناء الأفكار والمعارف والعلوم، وفق التصورات
[ ص: 35 ] الصحيحة للإسلام، وتشكيل العقل المسلم وتنسيقه معرفيا وعلميا، وفق معالم التنزيل المطلقة، والخروج به من عمليات التسول والاستلحاف التي درج عليها -ردحا من الزمن- مستهلكا لنفايات الفكر الغربي الصليبي أو الوثني
>[5] .
وتهدف هذه الدراسة، إلى طرح صيغة إسلامية جديدة لنظرية في الإعلان الإسلامي، تكون بديلا للعرب وللمسلمين عن نظرية الإعلان الغربي الوثنية، التي تتحكم في عالم الإعلان والإشهار في العالم العربي والإسلامي.
على أنه يجدر التنويه -هنا- إلى أن هذه الرؤى الفكرية النظرية والعملية في عالم الإعلانات، إنما هي في أصلها رسالة علمية أكاديمية قدمت لنيل درجة الماجستير في الإعلام الإسلامي، في جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، بالجزائر، في معهد أصول الدين، وفي قسم الدعوة والإعلام الإسلامي.
آملا.. وراجيا.. وداعيا الله العلي القدير أن يحشر كل من ساهم وأعان على إخراج هذه الرسالة -في سلسلة (كتاب الأمة) لتصل إلى أيدي القراء- مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
والله من وراء القصد.
[ ص: 36 ]