المبحث السادس
الترويح في العصر النبوي
أولا: أهداف الترويح في العصر النبوي
إن مما ينبغي ملاحظته في المناشط الترويحية التي كانت تزاول في المجتمع الإسلامي الأول، أنها كانت تستهدف في غايتها النهائية عددا من المقاصد الأخروية والأهداف الدنيوية، ولم تكن هذه الممارسات الترويحية بهدف الترويح فحسب، بل يصاحب ذلك أهداف سامية أخرى، ومن ذلك:
أ) تربية أفراد المجتمع المسلم على الجد، وتهيئتهم لخدمة الإسلام من خلال ممارسة المناشط الترويحية، مثل: التدرب على المنازلة في الحرب، والرمي، وركوب الخيل، وهذا واضح في الحديث الذي أخرجه مسلم عن
ابن عمر رضي الله عنهما ،
( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بالخيل التي قد أضمرت من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع. وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق، وكان ابن عمر فيمن سابق بها ) >[1] [ ص: 89 ] وكذلك في الحديث الذي يرويه
مسلم عن
عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو على المنبر- يقول:
( ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) ، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي ) . قال
النووي رحمه الله: (وفي الحديث فضيلة الرمي والمناضلة، والاعتناء بذلك بنية الجهاد في سبيل الله تعالى، والمراد بهذا كله التمرن على القتال والتدرب والتحذق فيه، ورياضة الأعضاء)
>[2] ب) التودد إلى أفراد المجتمع المسلم، وتحبيبهم في الإسلام، كما في مشاركته صلى الله عليه وسلم مع بعض أصحابه رضي الله عنهم في الرمي بالنبال، ففي الحديث الذي يرويه
سلمة بن الأكوع رضي الله عنه
( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على قوم من أسلم يتناضلون بالسوق، فقال: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا، وأنا مع بني فلان -لأحد الفريقين- فأمسكوا بأيديهم، فقال: ما لهم؟ قالوا: وكيف نرمي وأنت مع بني فلان؟ قال: ارموا وأنا معكم كلكم ) >[3] [ ص: 90 ] جـ) العمل على تحقيق الترابط الأسري وتقويته، والتحبب إلى الزوجة، ومصداق ذلك ما ورد في مسابقته صلى الله عليه وسلم لزوجه عائشة رضي الله عنها .. فعنها أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلا، فقال لها:
( تعالي حتى أسابقك، قالت: فسابقته فسبقته. وخرجت معه بعد ذلك في سفر آخر فنزلنا منزلا، فقال: تعالي حتى أسابقك، قالت: فسبقني، فضرب بين كتفي، وقال: هذه بتيك ) >[4]
وفي الحديث الذي أخرجه الدارمي أنه صلى الله عليه وسلم قال:
( كل شيء يلهو به الرجل باطل إلا رمي الرجل بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، فإنهن من الحق ) >[5] د) إعداد الإنسان المؤمن القوي بدنيا ونفسيا واجتماعيا، وذلك تحقيقا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم :
( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ) >[6] [ ص: 91 ] هـ) إظهار الفسحة في الدين، وإبراز محاسن الإسلام وسماحته وتيسيره في مراعاة النفس واستعداداتها، ففي الحديث الذي أخرجه أحمد في المسند،
( أن عائشة رضي الله عنها ، قالت: إنها كانت تلعب بالبنات، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي بصواحبي يلعبن معي، وقالت رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ: لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني بعثت بحنيفية سمحة ) >[7] و) إزالة ما قد يعتري المسلم من هم في هذه الحياة الدنيا، ففي الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( ما على أحدكم إذا ألح به همه أن يتقلد قوسه فينفي به همه ) >[8] والحديث يفيد اتخاذ ما يزيل الهم بوسيلة من وسائل الترويح المشروعة كتقلد القوس. ومما يـؤكد خيـريـة الهـدف من وراء مـزاولة الترويح في عـصر الصحابة رضي الله عنهم ، أنه لم ينـقل وقـوع اختـلاف
[ ص: 92 ] أو تشاحن بينهم أثناء الممـارسات الترويحيـة التي كانوا يقومون بها أو بعدها. ومن هنا ينبغي للمسلم استحضار هذه الأهداف عند العزم على ممارسة أي جانب من جوانب الترويح، أو حين ممارسته للترويح بشتى أنواعه المشروعة، ولا بد من استصحاب النية الصالحة التي من خلالها يطلب الاقتداء بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام عليهم رضوان الله، لينال بذلك الأجر في الآخرة والمنفعة الدنيوية، ففي الحديث المتفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. ) >[9]