المبحث السابع
الفراغ.. طريق الانحراف
الاتجاهات والعوامل الاجتماعية المفسرة للانحراف
بعد أن استعرضنا في المباحث السابقة جوانب من أهمية الوقت، ونظرة الإسلام إلى وقت الفراغ، والترويح وضوابطه في المجتمع المسلم، يمكننا القول:
إن أوقات الفراغ إذا لم يخطط لها بشكل صحيح، بحيث يكون عطاؤها إيجابيا، يضمن سلامة الفرد والمجتمع، فسوف تنتهي إلى مسالك الانحراف التي يدمر الإنسان فيها ذاته ومجتمعه، لذلك فالعلاقة قد تكون تلازمية بين أوقات الفراغ وما قد تنتهي إليه من الضياع الذي يؤدي إلى الانحراف.
وقد عزت بعض الأدبيات التي تناولت الانحراف بشكل عام وانحراف الأحداث بشكل خاص، أسباب ذلك إلى البيئة الأسرية وما يكون فيها من تفكك أسري، أو سوء تنشئة.. إلى غير ذلك. وهناك من عزاها إلى جماعة الرفاق وأثرها على الحدث، وما ينتج عنها من مخالطة واكتساب لقيم ومعايير تلك الجماعة، ومدى تقمص الحدث لتلك المعايير، ومن ثم ترجمتها إلى سلوك عملي.. في حين أرجعت أدبيات أخرى أسباب
[ ص: 107 ] الانحراف إلى الظروف الاقتصادية لأسر الأحداث، بينما أكد آخرون أن انحراف الأحداث إنما يعود بدرجة كبيرة إلى (وقت الفراغ) الذي يعيشه الحدث، باعتبار أن ذلك الوقت يهيئ المناخ المناسب للانحراف من خلال ما يمارس فيه من أنشطة قد تكون سلبية، أو انحرافية.
وذكر بعض الباحثين أن مكان قضاء وقت الفراغ ونوعية المشاركين للحدث في قضاء ذلك الوقت، يعدان عاملين من عوامل الانحراف، فقد أشارت بعض الدراسات التي أجريت في بعض الدول العربية عن متعاطي المخدرات، إلى أن أغلبهم كانوا يشغلون وقت فراغهم، إما في الطرقات العامة، أو في الجلوس في المقاهي الشعبية عندما كانوا في مرحلة الشباب من عمرهم
>[1]
وخلصت دراسات أخرى أجريت حول علاقة وقت الفراغ بالانحراف إلى النتائج التالية:
أ- أن أغلبية الأفعال الانحرافية يرتكبها الفرد أثناء وقت الفراغ.
ب- أن نسبة كبيرة من الانحرافات ترتكب بقصد الاستمتاع
[ ص: 108 ] بوقت الفـراغ أو الحصـول على وسائل تهيئ الاستمتاع بهذا الوقت
>[2]
ويؤكد باحثون آخرون أن كثيرا من المشكلات السلوكية يرتبط بوقت الفراغ، وأن نسبة كبيرة من انحراف الأحداث تحدث خلال ذلك الوقت
>[3]
ويملك الحدث في السعودية -على سبيل المثال- وقت فراغ كبيرا في حياته اليومية، ذلك أن المهمات الأساسية في حياته اليوميـة (الـدراسـة، النـوم، الأكـل، الحـاجيات الـضـروريـة) لا تتطلب منه أكثر من (20) ساعة بأي حال من الأحوال، وهذا يوفر للحدث أربع ساعات فراغ يوميا
>[4]
يقضيها بطرق مختلفة (اللعب، اللهو، المطالعة، الأنشطة الرياضية.. إلى غير ذلك) ، وينطبق هذا التقدير على الحدث المنتظم في الدراسة، أما نظيره غير المنتظم في دراسته، فسيتوفر لديه وقت فراغ أكبر بكثير.
[ ص: 109 ]
وقد لاحظت من واقع خبرتي العملية في إدارة رعاية الأحداث بوزارة العمل والشئون الاجتماعية في المملكة العربية السعودية أن أكثر من خمس الأحداث المودعين بدور الملاحظة الاجتماعية بالمملكة العربية السعودية خلال الأعوام (1409، 1410، 1411هـ) غير منتظمين في الدراسة
>[5]
وهذا مما يثير ويؤكد أهمية التساؤل حول علاقة وقت فراغهم بانحرافهم.
ومن هنا تأتي أهمية هذا المبحث في محاولة لإلقاء بعض الضوء على العلاقة بين كيفية قضاء وقت الفراغ والانحراف، والاتجاهات والعوامل الاجتماعية المفسرة للانحراف.
[ ص: 110 ]