استخـدام الرسول صلى الله عليه وسلم الوسائل التعليمية

حسن بن علي البشاري

صفحة جزء
سادس عشر: الرسم على الأرض

ورد في السنة المطهرة أن الرسول لجأ في بعض المواقف التعليمية إلى استخدام الرسم في تعليم أصحابه رضي الله عنهم لتوضيح بعض المعاني المجردة لهم.. وهذه وسيلة تعليـمية ناجحة، إذ من المسلمات لدى التربويين في الوقت الراهن أنه كلما زاد عدد الحواس التي تشترك في الموقف التعليمي، زادت فرص الإدراك والفهم، كما أن المتعلم يحتفظ بأثر التعليم فترة أطول. وفي هذا الصدد يقول الصباغ: (أما الرسم فإنه أسلوب تعليمي يجلو الأمر ويوضحه أتم توضيح، وإنه لمستوى رفيع في التوجيه والإبلاغ أن يكون الرسم أداة في قوم أميين ) >[1]

56- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( خط رسول الله في الأرض أربعة خطوط، قال: تدرون ما هذا؟ فقالوا: الله ورسوله [ ص: 99 ] أعلم، فقال رسول الله: أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم -امرأة فرعون - ومريم ابنة عمران رضي الله عنهن أجمعين ) >[2]

قال الشيخ أبو غدة معلقا على هذا الحديث: (لم أر من بين المعنى الذي أراده رسول الله من خطه لتلك الخطوط الأربعة، وهو يبين أفضلية هؤلاء النسوة الأربع. والظاهر عندي -والله أعلم - أن المعنى من ذلك توكيد أفضلية هؤلاء النسوة الأربع على سائر نساء أهل الجنة، فيكون إعلام ذلك حاصلا عن طريق السماع للقول من فمه، والمشاهدة لخطه بيده، فيكون آكد مايكون البيان في حصر الأفضلية فيهن، والله أعلم ) >[3]

57- ( عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: خط النبي خطا مربعا وخط خطا في الوسط خارجا منه، وخط خططا -وفي رواية في فتح الباري: خطوطا - صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسـط، فقال: هذا الإنـسان، وهذا أجله محـيط به [ ص: 100 ] -أو قد أحاط به - وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا ) >[4]

( الأعـراض ) الآفات التي تعـرض لـه من مرض وشغل وآخرها الموت.

( نهشه ) أصابه، والنهش أخذ الشيء بمقدم الأسنان.

58- ( عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: خط رسول الله خطا بيـده، ثم قال: هـذا سبيل الله مستقيـما، قال: ثم خط عن يمينه وشماله، ثم قال: هـذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) ) ( الأنعام:153 ) >[5]

يعلق القرضاوي على هذا الحديث بقوله: ( فترى في هذا الحديث أن النبي يفسر لأصحابه الوصية الأخيرة من الوصايا [ ص: 101 ] العشر في سورة الأنعام، ولكنه لم يقتصر على تفسيرها بالكلام المجرد، بل استعمل لذلك ما هو ميسور له وهو الرمل، يخط عليه بيده بدل اللوح، وهو هنا يرسم صراط الله المذكور في الآية الكريمة في صورة خط مستقيم، ولهذا قال:

( هذا سبيل الله مستقيما ) ويرسم السبل الأخرى التي حذرت الآية من اتباعها في صورة خطوط متعرجة، عن يمين الخط الأوسط المستقيم وشماله، ثم يشير إليها قائلا: ( هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ) ثم يختم هذا التوضيح العملي بقراءة الآية الكريمة، فتقع أعظم موقع في نفس السامع المشاهد وعقله. فهنا اشتراك البصر مع السمع في استيعاب معنى الآية، وفهم مراد الله تعالى منها ) >[6]

التالي السابق


الخدمات العلمية