أبو حامد الغزالي ونظريته في العلم
أبو حامد من فوارس العلم والثقافة (1051 - 1111م) ، له نظرية في العلم، نشرها في ثلاثة من كتبه، متى جمعت إلى بعضها كونت فكرة واضحة عن العلم الشرعي والدنيوي، وعلاقة أحدهما بالآخر.
أ- في كتابه (إحياء علوم الدين ) ، قسم العلوم إلى شرعيـة، وهي ما استفيد من الأنبياء عليهم السلام، وغير شرعية، وهي ما أرشد إليهم العقل، كالطب والرياضيات وأمثالها. وغير الشرعية هـي من فروض الكفاية، فإذا خلا منها بلد سارع إليه الهلاك
>[1] .
ب- في (أيها الولد ) يتم فكرته قائلا: من يقتصر علمه على العلوم الدنيوية، دون الشرعية، فعمره يضيع فيما لا ينفع في الآخرة
>[2] .
جـ- في كتابه (ميزان العمل ) يقول:... من يقتصر على علوم الدين وحدها، فإنه لا يفهم من الدين إلا قشوره، بل خيالاته وأمثلته،
[ ص: 110 ] دون لبابه وحقيقته.
>[3] ، إذ لا تدرك العلوم الشرعية إلا بالعلوم العقلية، فإن العقلية كالأدوية للصحة، والشرعية كالغذاء
>[4] .
من يتطلع لدور في الحضارة، فلا بد أن يكون له حضور متميز، كما ينبغي أن تكون لديه فكرة واضحة تجاه الكون وخالقه والحياة.
ويطرح (
اشفيتسر ) في كتابه (فلسفة الحضارة )
>[5] : إذا أنتج المفكرون في عصر من العصور نظرية في الكون ثمينة، فإنها تتداول بين الناس تداولا يؤدي إلى ضمان التقدم، وإن عجزوا عن ذلك، بدأ الانحلال يدب على نحو أو آخر، فكل نظرية في الكون، تجر وراءها نتائجها التاريخية.
والقرآن الكريم يربط بين عمارة الأرض والأخذ بهدي الأنبياء، عليهم الـسـلام، كـما أن البـعـد عـن هـذا الهدي السماوي يجلب فيما يجلب التعاسة والحروب، وسقوط الحضارة.
يقول تعالى:
( وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) (النمل:112) .
إن قصص القرآن في مجمله يكشف: كيف تقدمت الأمم، وتوسعت الحضارات، حين أخذت الأمم بهدي السماء، وماذا أصابها من تأخر وفساد وسقوط للحضارة حين تركت شرع الله، وفضلت عليه شرائع وضعية.
[ ص: 111 ]