نحن والحضارة والشهود [الجزء الأول]

الدكتور / نعمان عبد الرزاق السامرائي

صفحة جزء
أهم العوامل المؤثرة في التحضر

ابتداء أود الإشارة إلى أن (التحضر ) وصف وليس قيمة، فالتحضر بنفسه لا يحمل كل الخير، بل يمكن أن تكون الشعوب المتحضرة وبالا على البشرية، حين يصير التحضر وسيلة استعمار واستعباد ونهب لثروات الشعوب، وتقييد لحريتها.. كما علمتنا الأيام أن المتحضرين هـم من أشعلوا الحروب، وخاضوا بالدماء حتى (الركب ) ، وما زالوا يتلاعبون بشعوب العالم الفقيرة، يهبطون بثرواتها وسلعها إلى أسفل سافلين، ويرفعون بضائعهم يوميا، حتى استحوذ 20% من سكان العالم على 80% من ثرواته، ومازال النهب والسلب على قدم وساق، حتى ازداد الأغنياء غنى، كما ازداد الفقراء فقرا. وديون العالم الثالث خير شاهد، فهي اليوم عاجزة حتى عن دفع الفوائد.

وتلويث البيئة -اليوم- من نصيب المتحضر، بأكثر من الفقير ألوف المرات. لذا أود أن أكرر بأن التحضر وصف وليس قيمة. وقد حاولت جمع العناصر المؤثرة في التحضر، فجمعت أكثر من عشرة عناصر مثل: عامل الجنس (العرق ) ، العامل الاقتصادي، العامل الجغرافي، عـامـل العـقيـدة، عامـل المـعرفـة، الفتوحات العسكـرية، الفـرد البطـل أم المجتمع، شبكة العلاقات الاجتماعية، عامل الثقافة والفكر، الرغبة في التحضر، البيئة الطبيعية للتحضر. وسوف أستعرض هـذه العوامل، [ ص: 117 ] بما يسمح به البحث من الاختصار والإطالة والمناقشة، ثم أتحول بعد ذلك إلى حركة التحضر ومساراتها، بإذن الله تعالى.

اتجاهات التفسير

لعل من المفيد أن أشير لوجود مدرستين في تفسير التاريخ، وضبط حركة التحضر: مدرسة تريد مزيدا من العوامل مترادفة متعاونة، يكمل بعضها بعضا، ومدرسة تكتفي بعامل أساس واحد، لتفسر به التاريخ، وتضبط به مسار الحضارة. ولكن أتباع هـذه المدرسة، لم يتفقوا على عامل واحد، بل كل اختار عاملا، وجعله قطب رحاه، لذا سأمر عليها بشيء من الاختصار غير المخل.

التالي السابق


الخدمات العلمية