أولا: عامل الجنس (العرق)
لا يجادل أحد أن البشرية تتكون من أجناس مختلفة، يتميز بعضهم عن بعض، وأنها خـاضت حـروبـا وصـراعـات ضد بعضـها، كما حارب أبناء الجنس، بل أبناء الأمة بعضهم بعضا.
فهم يتفاوتون في الرضى والإبداع، في الفكر والقناعات، وكل جنس واتته فرصة أقام حضارة تناسبه، وتناسب عصره. وقد شاع في القرنين السابع عشر والثامن عشر فكرة اختلاف الأجناس، وأن بعضها أرقى وأفضل من بعض، لكن الذي يصعب قبوله أن ينادي شعب بأنه المؤهل الوحيد لبناء حضارة، وأن شعبا آخر لا يستطيع ذلك، ولو واتته كل الفرص.
[ ص: 118 ]
وسأستعرض بعض الأقوال، مع بعض التصورات الغريبة التي تتصاعد منها أبخرة العنصرية، والنرجسية الغليظة. لقد كتب الفرنسي
(جوبينو ) >[1] المتوفى عام (1882م ) رسالة حول عدم تساوي (الأجناس ) ، وأن
الآريين وحدهم بناة الحضارة، والمحافظون عليها (وهو ماكانت النازية والفاشية، تبشر به ليل نهار ) . أما
(كريستيان لامس ) >[2] فيرى أن الآريين يتفوقون على الساميين في عقولهم وخواصهم. أما (
جوزيف آرثر ،
وهوستن )
>[3] فيرون أن بعض الشعوب من الأجناس (الراقية ) تتقدم، على حين تظل أجناس أخرى محكومة اجتماعيا وثقافيا بميراثها العنصري. وقد انتهوا -كالعادة- إلى أن كافة الحضارات من عمل الآريين. أما النازية فقد تكون أقوى من طرح فكرة (النقاء العنصري ) ، معتبرة الاختلاط بين العناصر والأجناس المختلفة سببا للقضاء على الحضارة وإفسادها. وكل من يتحدث عن تفوق جنس على غيره، لا بد أن يذكر
اليهود ، فهم معجبون بأنفسهم إلى أبعد الحدود، ويعيشون وهما مخيفا حين يعتقدون أن الله تعالى قد اختارهم من بين كافة الشعوب، وأنهم الأذكى والأقدر، ولولاهم لحل بالعالم كارثة، حتى دماءهم تختلف عن دماء البشر.
[ ص: 119 ]
يقول
(مارتن بوير ) -وهو مدير جامعة، ورجل اجتماع-
>[4] : (إن الإسرائيليين شعب فريد، يختلف عن بقية الشعوب الأخرى، فهو الشعب الوحيد الذي يعتبر شعبا، وفي الوقت نفسه يعتبر مجتمعا دينيا، وكل من يقطع العلاقة بين هـذين العنصرين، يقطع حياة إسرائيل نفسها ) .. والسؤال: ما الدليل على صحة هـذا؟
وهل يهود روسيا وأوروبا والفلاشة من
أثيوبيا ، ويهود
الهند وسيرلانكا
واليمن ، يشكلون شعبا واحدا؟
ويقول (آحاد هـعام ) وهو اسم مستعار للكاتب الروسي (أشرغنزبرغ )
>[5] : (من الطبيعي أن نسلم بحقيقة وجود درجات كثيرة في سلم الخليقة مرورا بظهور الكائن غير العضوي، فالنباتات، والمخلوقات القادرة على النطق، يتقدمها جميعا الجنس اليهودي ) .
ما الدليل العلمي على ذلك؟
وأختم هـذه (النقول ) بنص للكاتب الصهيوني (يوسف حييم بريبر ) يتساءل عن هـذه (النرجسية ) الغريبة، فيقول
>[6] : (من أين أتى هـذا الاحتقار من جانب اليهود للأغيار، والشعور بالسمو عليهم؟ هـل كان اليهودي عديم الشعور حقا؟ وميتا إلى درجة لم يشعر معها أن
[ ص: 120 ] حياة الأغيار -أي غير
اليهود - أكثر غنى، وأكثر جمالا من حياته؟ إن هـذا مستحيل، ولا نستطيع أن نصدق هـذا، فإذا كان هـناك احتقار للأغيار، فلم يكن ذلك سوى حسد طبيعي، يشعر به الفقراء تجاه الأغنياء، والرهبان تجاه الفرسان، والعاجز تجاه القادر، إن هـذا الاحتقار لم يكن سوى استسلام لنصيبنا في الدنيا، وأحيانا نوع من العزاء لآمالنا في العالم الآخر، يتلوه صرير أسنان، وغضب داخلي، عن وعي أو دون وعي ) .
تسويق العنصرية وتبرير الاستعمار
حـاول بعـض العنصـريـيـن أن يسـوق نظـريـته في العالـم، ويغطيها أو يحجبها ببعض المغالطات، ثم ليفلسف استعمار الإنسان لأخيه الإنسان.. تقول النظرية
>[7] ما يلي:
1- العروق مختلفة متباينة، ولكل صفاته المحددة، التي تميزه عن غيره.
2- هـناك ارتباط وثيق بين الصفات الجسدية والروحية والعقلية، بحيث يمكن الاستدلال من الصفات الجسمية، على الصفات الأخرى.
3- العروق ليست مختلفة فقط، بل متفاوتة، أفضلها وأرقاها وأنقاها العرق (الآري ) (الفرع النورديكي ) ، وأدناها وأحطها الأفارقة السود.
[ ص: 121 ]
ولي على هـذه النظرية أكثر من تحفظ
أولا: العروق اختلطت لأكثر من سبب، والبحث عن عرق لم يختلط شبه مستحيل.
ثانيا: الارتباط أو الربـط بين الصـفات البدنـية والروحية والعقلية، لا أساس له، فالإنسان يتأثر بالبيئة، ويكتسب الكثير من العلوم والمعارف، فيختلف ذكاؤه الفطري بثقافته، حتى يصعب الفصل بينهما، فليس كل أبيض ذكي، ولا كل أسود بليد، تلك قضية يستحيل إثباتها أو تصديقها.
ثالثا: اختلاف الأعراق قضية، وكون العرق الآري أرقاها وأنقاها، قضية أخرى يصعب التسليم بها، والأبيض الآري لو عاش الظروف التي يعيشها الأفريقي بفقره وأميته لكان أسوأ منه.
ولو عاش الأسود في مجال آخر، بعيدا عن الفقر والأمية والتخلف، لتجـاوز الأبيـض، وتفوق عليه، وطلاب البعثات في الغرب يثبتون ذلك يوميا.
تسويق العنصرية لدى تلاميذ (دارون)
تلاميذ دارون درسوا النظريات العنصرية، لكنهم زادوا في الطنبور نفخا -كما يقال- وقد طرحوا نظريتهم على الوجه التالي
>[8] :
[ ص: 122 ]
1- البشر مختلفون، كما تثبت ذلك سماتهم البدنية والعقلية.
2- إن (البعض ) منهم أصلح بالطبع، ولذا فهم أرقى وأرفع شأنا.
3- بعض الأجناس والأمم أصلح بالطبع، ولذا فهم أرقى وأرفع.
4- إن الطبيعة والتطور صنعا البشر، على هـذه الشاكلة، ولذا فإن بعض العناصر والأمم يجب أن تسود، و (البعض ) يجب أن تكون مسودة وخادمة.
الطبيعة العمياء لم تصنع بشرا ولا فأرا ولا ضفدعة، والتطور لم يصنع ذلك، هـكذا يعتقد جميع أصحاب وأتباع الديانات السماوية.
أما الفقرة الأخيرة فأشم منها روائح الاستعمار العفنة، والتي تزكم الأنوف، وكان بالإمكان أن تكون العبارة هـكذا (... لذا من واجب الأمم المتقدمة والمتحضرة، أن تساعد وتعاون الأمم الثانية، وتأخذ بيدها ) لا أن تستعبد وتنهب خيراتها ومواردها.
القضية الأخـرى: لا نـصـدق أن هـنـاك أممـا أرقى وأصلح بالطبع، إذ لا دليل على ذلك، وكل جنس -وكل أمة- واتته فرصة تحضر اهتبلها وتقدم، ولو درست حضارات العالم قديمها وحديثها، لوجد مصداق ذلك.
كذلك لا نسلم ولا نصـدق بوجود أعـراق شريفة وأخرى وضيعة، إذ لا مقياس للشرف والوضاعة، وكل أمة يمكن أن تصف نفسها
[ ص: 123 ] بالشرف، وعدوها بالوضاعة. فما مقياس الشرف والوضاعة، لدى تلاميذ المعلم (دارون ) ؟