سادسا: عامل المعرفة
لا يجادل أحد في قيمة العلم والمعرفة في تحضر الأمة، وخروجها من دائرة التخلف والسقوط.
من هـنا وجدنا من يعد هـذا العامل كمحرك وموجه للحضارة -وقد تقدم- أن عمارة الأرض تقوم أساسا على العلم والمعرفة، بل على آخر ما توصلت إليه العلوم والمعارف، ولكن (العلم والمعرفة ) هـما دوما من نصيب القلة في الشعوب، أما الجمهور فاكتسابه للعلم والمعرفة ومثلها الفلسفة، يقل كثيرا.
وهذه الهند والصين ، وعدد شعوبها يصل إلى مليارين، أين نجد نصيب ذلك في شعبيهما؟ لا شك إنه في النخب القليلة جدا، هـذه واحدة.
وأما الثانية، فقد وجدنا معرفة (نظرية ) ، لم تعرف طريقها للحياة، فالمسـلمون عـرفوا الدورة الدمـوية، ومثلها كروية الأرض وحركتها، وابن خلدون كشف الكثير من قواعد علم (العمران ) ، لكن لم يستفد [ ص: 133 ] أحد من ذلك.. ورجال الفلسفة وعلم الكلام كانـوا يناقشون: هـل تنقسم المادة إلى ما له نهـاية، أم إلى ما لا نهـاية له؟ ثم وقفوا عند ذلك ولم يتعدوه. قد يقول إنسان: هـذا ما تسمح به ثقافة ذلك الزمان، لكني أجيب أن المسلمين زمن ( المأمون ) مثلا درسوا الفلك، كما درسوا محيط الأرض وحركتها، والغلاف الجوي وارتفاعه، ووصلوا إلى نتائج محترمة، لكنهم في ميادين أخرى بقوا يدورون في دائرة الفكر النظري ولم يتجاوزوه.
وحين وصل الناس إلى أمريكا ، رفض اليهود ذلك كليا، بحجة أن المعارف عندهم ترفض وجود قارة جديدة. كما رفضت الكنيسة الكاثوليكية وجود الجراثيم، وغيرها كثير.
إن العلوم والمعارف كانت دائما من نصيب نخبة قليلة، لكنها اليوم تتسع دائرتها يوما بعد يوم، ولن يجادل أحد في قيمة هـذا العامل في التحضر، والخروج من دائرة التخلف.
التالي
السابق