تاسعا: الاجتياحات العسكرية
الدول والنظم تسقطها وتقلبها الاجتياحات العسكرية، فهل تسقط الحضارة باجتياح عسكري، مثل حملات التتار، والمغول، والحملات الصليبية؟ ماذا كان سيحدث لو فتح العثمانيون
أوروبا كلها؟
ماذا سيكون تاريخ العرب والمنطقة، لو أن ثوار (الردة ) أسقطوا النظام الإسلامي، فلم تقم للإسلام دولة؟ للدكتور (أنور عبد الملك ) المصري الجنسية وأستاذ جامعي في اليابان، فكرة ملخصها
>[1] : إن أوروبا صعدت وتقدمت، بينما اضمحلت المراكز الكبرى في المشرق، منذ القرن الخامس عشر، وحصل ذلك بسبب الغزو الأوروبي للشرق، ابتداء من الحروب الصليبية، وانتهاء بالاستعمار الغربي، وزرع
إسرائيل كإسفين في قلب البلاد العربية. فأوروبا بغزوها الاستعماري حطمت مراكز القوة في المشرق، واستنزفتها اقتصاديا، وكذلك اجتماعيا وسياسيا وثقافيا، ولم تترك للمشرق حرية التحرك والنهوض.
لكن المؤرخ
(توينبي ) يرفض ذلك، ويرى أن العجز عن صد الاعتداءات الخارجية، على كيان حضارة، ليس هـو السبب في السقوط، ولكن ثمة انهيار سابق قد حصل في قلب الحضارة نفسها.. واستشهد لذلك بسقوط الإمبراطورية الرومانية.
[ ص: 139 ]
فإذا انتقلنا فكريا إلى العباسيين، قبل وصول
التتار إليهم، سلمنا لنظرية
توينبي ، فحال العباسيين -دولة وحضارة-كانت في النزع الأخير، وكشف هـجوم التتار ذلك فقط. ولما وصل هـذا الزحف إلى
مصر ، صد الهجوم وانتهى الأمر.
والذي يظهر: كما أن الدولة تشيخ، وتستوفي مبررات وجودها، فلا يبقى لديها ما تعطيه، فكذلك الحضارة تشيخ، بعد أن تعطي كل ما لديها، فلا يبقى لديها ما تعطيه، وإذن فلا بد من إفساح الطريق لحضارة قادمة، أكثر قوة وشبابية، تبني على الموجود، وتزيد في البناء، وتجدد في نظم الحياة. وحين تسير القافلة طويلا، فكل من يتعب أو يمرض، يتحول -دون جدل- من أول القافلة إلى ذيلها ونهايتها، ومن قيادتها إلى مجرد تابع.. هـذا هـو القانون.