منهج ابن خلدون في البحث
يرى
د. حسين رشوان أن
ابن خلدون يتبع في بحثه (المنهج العضوي)
>[1] فالدولة في نظره كائن عضوي حي، يولد ويموت، لها بداية ونهاية، تخضع لعـوامـل النـمو والفناء، وقد قـدر عمرها بثلاثة أجيال، في حدود (120) سنة. ومعلوم أن هـناك دولا عاشت أضعاف ذلك، مثل العباسية والعثمانية، وغيرهما كثير. ونتيجة لسياحته في العالم الإسلامي، فقد وجد اختلافا بين المجتمعات، لذا راح يقرر أن أحوال المجتمع لا تسير على وتيرة واحدة، بل تتغير وتتبدل.
عوامل التغيير
يعزو
ابن خلدون عوامل التغيير إلى أكثر من عامل واحد، مثل عدالة الحكم، واتساع رقعة الدولة وسلطانها، والعوامل الاقتصادية.
[ ص: 181 ] نظرية ابن خلدون في العمران :
يلخص
د. الشكعة نظرية
ابن خلدون في العمران كما يلي
>[2] :
1- التاريخ خبر عن الاجتماع الإنساني، أي العمران البشري، لذا يجب تنقيته من الزيف، وتصويب أخطائه، وهذا هـو المنطلق الأول لتصور العمران البشري.
2- الملك المنظم ضرورة للعمران، من أجل الحفاظ على المجتمع، وتنظيم شئونه، وحماية الثغور، وجباية الأموال، ودفع الظلم، وتحقيق العدل، وعمران الأرض، وإسعاد الناس في دنياهم، وتهيئة الأسباب للسعادة في أخراهم، وذلك بحملهم على اتباع الشريعة، وضبط أمورهم.
3- يقوم بنظام الحكم (خليفة ) أو إمام، يحكم وفق الشريعة الإلهية.
4- العلم والتعلم عنصران أساسيان للعمران، فكلما ازدهر العمران صارت سوق العلم نافقة، وتقدم المجتمع، والعكس بالعكس.
5- لا يتم العمران إلا بوجود صنائع، مثل الفلاحة والصناعة والتجارة، فعليها يتوقف رفاه المجتمع وانتعاشه.
6- للدول أعمار مثل الأشخاص، تبدأ قوية بقيادة منشئها، فإذا انتهى الجيل الثالث تشرف على الزوال، أما الازدهار فيقع على الجيل الثاني.
7- العصبية تؤدي للغلبة والقوة، وتتطلع للرئاسة، والرئاسة تتطلع للملك، ولذا فالملك لا يقوم إلا بالعصبية، ويظل قويا بقوتها، ويضعف بضعفها.
[ ص: 182 ]
8- البداوة أصل الحضارة، والعمران البدوي أصل الحضري، ولكل عاداته وسلوكه، والمجتمع الحضري أكثر قابلية للتبدل، وتبدله يصل لقمة العمران، ثم يبدأ بالتقلص والانحسار، في حقب زمنية تشبه القانون.
الدولة والتشريع
ينظر
ابن خلدون للتشريع كشرط لبقاء الدولة، فالدولة متى خلت من تشريع يستهدف حماية الناس، فإن الأمر لا يستتب لها، كما لا تتم سيطرتها على الأمور، وكل هـذا من سنن الله في عباده.
وهذه التشريعات إما أن تكون إلهية المصدر، فتكون سياسة دينية، وإما أن تكون مفروضة من العقلاء وأكابر الدولة وأهل النظر فيها، فهي سياسة عقلية.. إن التشريعات الإلهية تكون نافـعة في الدنيـا والآخرة، ذلك أن الخلق ليس المقصود دنياهم فقط؛ لأنها لهو وزينة، وغايتها ونهايتها الموت،
والله تعالى يقول:
( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ) (المؤمنون:115) .
فالمقصود إنما هـو دينهم، المفضي إلى سعادتهم في آخرتهم، فجاءت الشرائع بحملهم على ذلك، في جميع أحوالهم، من عبادة ومعاملة، وحتى في الملك الذي هـو طبيعي للاجتماع الإنساني، فأجرته على منهاج الدين، ليكون الكل محوطا بنظر الشارع
>[3] إن
ابن خلدون يرى نوعين من الحكومة: واحدة تعتمد التشريع
[ ص: 183 ] الإلهي، وأخرى تعتمد التشريع الوضعي. وهو ينص على وجوب نصب (خليفة ) ليقوم بأمر الدين والدنيا معا. وقد كتب فصلا كاملا في (المقدمة ) تحت عنوان (العمران البشري لا بد له من سياسة ينتظم بها أمره ) ، لينتهي إلى ضرورة الاستناد إلى شرع منزل متى وجد.
ابن خلدون والمدرسة الحيوية
يرى
د.حسين رشوان أن
ابن خلدون من أنصار المدرسة الحيوية
>[4] ، فقد اعتمد في دراسته للمجتمع على دراسة الفرد، ومن ثم قال بأنه يولد مثل الفرد، ويمر بأطوار الطفولة والشباب والرجولة والشيخوخة، كما أنه يمارس السياسة وكتابة التاريخ، متخذا من تجاربه الخاصة مادة للكتابة، ويتضح ذلك جليا من موقفه من البدو، الذين شن عليهم أكبر حملة؛ لأنهم جاءوا للشمال الإفريقي من
مصر ، وعاثوا في الأرض فسادا، وأسقطوا أمير بجاية وابن عمه كذلك.