نحن والحضارة والشهود [الجزء الثاني]

الدكتور / نعمان عبد الرزاق السامرائي

صفحة جزء
الله تعالى، الكون، الإنسان، الشهادة على الناس

أولا: الله تعالى وصفاته

إذا نظر الإنسان فيما حوله، فماذا سيجد؟ نفسه والكون "الطبيعة " من حوله.. فإذا تساءل: من خلق الكون وما فيه؟

أنا خلقت نفسي وما حولي؟! الكون خلقني وما حولي؟! من نظم الكون، من جعله يسير وفق سنن تضبط حركته، وتمنع خرابه؟ لا يتصور عاقل أنه خلق نفسه ولا غيره ولا الكون.

إذن لا بد أن يكون الخالق "قوة" ثالثة، حية مريدة عاقلة مسيطرة، وهي الله تعالى.

قد يعترض إنسان فيقول: هذه ليست طريقة علمية في الإثبات أو الاستدلال. نعم إن العلوم لا تثبت ولا تنفي العالم الروحي، رغم أنها تعالج وتفسر الكثير من الظواهر، التي تحدث في الطبيعة والكون، والتي تكون مبنية على أساس فلسفي بحت.

من هنا علينا أن نلتزم بالجانب العلمي، مع الاستدلال المنطقي الصرف، حيث يكون ما نتوصل إليه سليما وصحيحا، من ناحية الاطمئنان العقلي في المفاهيم اللامرئية. فعندما يكشف لنا العلم [ ص: 23 ] بأن هناك عشرات من الحقائق لا تخضع إلى أي تفسير مادي صرف، فالمطلوب هو الاستدلال المنطقي لتلك الحقائق، ونختزل منها:

1- إن سلوك أي جزء في المادة، هو سلوك منتظم دقيق، ولا يمكن أن يكون في تخبط عشوائي قط.

2- جميع الكواكب والنجوم والأجرام الأخرى، موزعة توزيعا في غاية الدقة، وغاية الانتظام الصارم الجميل، في سائر الكون.

3- محال أن يكون نشوء الخلية من المادة ذاتها، لأن الجزىء البروتيني الواحد يحتوي على (40.000 ) ذرة، وعدد العناصر الكيماوية في الطبيعة هي (92 ) فقط، إذن يتطلب ذلك زمنا خياليا، بغية نشوء جزىء بروتيني واحد يكون أكبر من عمر الكون، بملايين المرات.

لذا يتوجب علينا أن نتخذ الاستدلال المنطقي، في التحليل العقلي، لأية محصلة يصل إليها العلم، ومن تلك المحصلات ندرك بأن هناك "خالقا عظيما " قدر كل شيء فأحسن تقديره، وعلينا أن لا نضع رؤوسنا في الرمال، ونتوحل في المادة، تحت رداء علمي، حصيلته النهائية ليست فيه.

إنه يتوجب علينا أيضا أن نسلم بوجود خالق حكيم، دبر كل [ ص: 24 ] شيء، وقبل تسليمنا بحقائق العلم، والاستدلال المنطقي، نكون قد وفقنا بالحفاظ على العلم والفلسفة، وبالتالي لا يوجد هناك تناقض ما في نفي حقيقة ما، بل إن كل الحقائق تشهد على حقيقة الحقائق، ألا وهو الله الخالق.

إن التطور العلمي تجاه الكون، قد برهن بصورة قاطعة وجلية على وجود الله الواحد الخالق >[1] لقد افتتح الروس معهدا في موسكو، كان يستهدف تصنيع خلية حية، وبعد جهود متواصلة جاوزت نصف قرن، لم يستطع العاملون بالمعهد، سوى شطر خلية إلى نصفين.

كان الإلحاد عملا فرديا، لكن الشيوعيين جعلوه هدفا، وسخروا كافة إمكانات الدولة لذلك، هذا أمر جديد على العالم.. لقد كان الإلحاد موقفا شخصيا، فصار موقفا رسميا ، تسخر له ميزانية دولة ، بكافة قدراتها.. وبعد ما يقارب ثلاثة أرباع القرن، انتهى كل ذلك، وتبخر خلال سنوات قليلة >[2] وبينما راحت الأديان السماوية تصف الله تعالى بأنه "أزلي [ ص: 25 ] ليست له بداية ، لم يولد من أحد، ولم يستحل أو يتطور من موجود آخر، إنه أبدي ليست له نهاية، لا يموت ولا يفنى مطلقا، ولا ينقص شيء من إرادته وقدرته، وهو منزه عن المادة، أي إنه فوق مستوى حواسنا القاصرة الفانية، لا تدركه الأبصار، ولا تصل إليه الأيدي، ولا تستطيع حاسة أن تدركه أو تبلغه، ثم إنه منزه عن الزمان والمكان، وهو قادر مطلق، وكل شيء يدخل تحت هذه القدرة والإرادة المطلقة، دون حاجز أو مانع.. وهو يتصف بكل صفات الخير والكمال والجمال، والعلم والعدالة والرحمة ... إلخ.

وهذه الذات الإلهية خلقت السماوات والأرض والملائكة أولا، ثم خلقت النباتات والحيوانات على سطح الأرض ... " >[3] هذه الصورة لله تعالى ترسمها الأديان السماوية، فكيف يرسم كهان العلمية، صورة الكون بدون إله؟!

"والحقيقة أن المادية، التي تسمي نفسها بـ (المادية العلمية ) ، لا تعتقد بوجود الله القادر المطلق، وإنما تقيم مكان هذه العقيدة قوانين الصدفة والسببية " >[4] [ ص: 26 ]

إن الأديان السماوية - خاصة الإسلام- تعتبر القوانين الطبيعية قوانين إلهية، وضعها الله وفق خطة معينة ، ولغاية محددة، بينما يقول الماديون: إن هذه القوانين لم يضعها أحد، وإنما جاءت نتيجة صدفة، وتأسست من نفسها، دون تدخل من أحد، وكل ما في الكون من موجودات، أساسها مادة أزلية، لا تفنى ولا يمكن أن تستحدث، وليس لوجودها بداية ولا نهاية، وغير قابلة للفناء، ولكنها في استحالة دائمة، يتغير شكلها باستمرار.

وهذا يسري على الإنسان، وكذلك الحياة، فليس كلها من صنع خالق. وما هذه الحياة إلا وليدة "الصدفة"، قد تكونت بنفسها، دون تدخل من أحد، ثم ارتقت من طور إلى طور.

وهم ينكرون كافة العقائد السماوية، ويصفونها بأنها من العصور الغابرة، وكل من يدعو لدين، فهو يريد رد المجتمع إلى العصور القديمة.

التالي السابق


الخدمات العلمية