العلم والدين
يقول بعض هؤلاء: إن الأديان كانت مفيدة في عهود الجهل، وبما أنها لا تستند إلى أي أساس علمي، فإن الأمم بعد أن تستضيء بضياء العلم، سوف تزول منها الأديان في وقت قريب ...
[ ص: 27 ]
والذي يصعب فهمه وقبوله، أن من يقول بأن هذا الكون بما يحويه، هو من صنع عالم مريد، خلقه وفق تصور سابق، يقال له: هذا كلام غير علمي وغير مقبول.
والذي يقول: بأن العالم والحياة وجد بالصدفة، تكون مقولته علمية وفلسفته كذلك!
إن العلم الذي يلوكونه ليل نهار، عاجز عن إثبات أو نفي كثير من قضايا الدين، بسبب اختلاف المنهج والهدف، يقول باشكيل
>[1] : "إن العالم غير المحسوس والعالم اللامادي يبقى خارج إطار العلم، فهو لا يستطيع أن يصدر أي حكم سواء أكان نفيا أو إيجابا، إنكارا أو تصديقا ، في المسائل التي لا تدخل المختبر، ولا تجري عليها الأقيسة.. إن العلم يستطيع أن يقول شيئا واحدا فقط: لا أدري.
إن المواضيع الدينية، كعقيدة الله واليوم الآخر، والمسائل التي تتعلق بهذه العقائد، هي حقائق تعود إلى العالم اللامادي، وإن إصدار أي حكم باسم العلم، وإنكار هذه الحقائق، إنما هو افتراء على العلم، واستغلال أثيم له، لأن هذه العقائد خارجة عن تناول
[ ص: 28 ] البحث العلمي.. وتجارب الحياة وحدها، هي التي تستطيع أن تبين لنا قيمة هذه العقائد.. فالإنسان كلما سار وتقدم في درب هذه الحياة، اتضح له أن فراغ القلب من الإيمان لا يعوضه ولا يملؤه المنصب ولا الجاه ولا الثروة ولا أي عرض من أعراض هذه الدنيا.
إن المواضيع الخارجة عن نطاق العلم، لا تقتصر على العقائد الدينية وحدها، فكنه المادة والقوة، ومنشأ الشعور والإحساس وحركته، وماهية العقل والإرادة، ومدى حرية هذه الإرادة، كلها من الأمور غير المادية. وكذلك الخير والشر، العدالة والظلم، الفضيلة والرذيلة، وأشباهها من قواعد الأخلاق، كلها تبقى خارج حدود ونطاق العلم، بل إننا نستطيع القول: بأن المواضيع الخارجة عن ساحة العلم، بالنسبة إلى المواضيع الداخلة في ساحته، بمثابة البحر الواسع إلى قطرة ماء، وإن نسبة ما يعلمه الإنسان إلى ما يجهله، كذرة في فلاة مترامية ".
إذن لكل من الدين والعلم مجالات تخصه، ولكل منهجه، فالعلم يصف، والدين يبين الغاية، والعلم يجيب عن كيف؟ والدين يجيب عن لماذا؟
[ ص: 29 ]