نحن والحضارة والشهود [الجزء الثاني]

الدكتور / نعمان عبد الرزاق السامرائي

صفحة جزء
1- مكونات الإنسان

يتكون الإنسان من جسد، وعقل، وروح، وعواطف.. الجسم يتكون من عناصر معروفة، فإذا مات تحلل جسمه.. والجسم السليم ما غذي بالحلال، وأعطى قسطه من النمو السليم الصحيح، [ ص: 43 ] والراحة المناسبة.. وقد حرم الإسلام كل ما يؤذي الجسم، كما منع تكلف المشاق، وكل ما يرهق البدن، خادم العقل والروح.

أما الروح فلا نعلم عنها شيئا، سوى أن الميت يفتقدها، ولا يقول متفلسف: إذا كنا لا نعلم حقيقتها، فكيف نسلم بها؟

في الكون ألوف القضايا نسلم بها، دون أن نعلم حقيقتها - وقد تقدم هذا في مبحث العلم - ومهمة الروح الاتصال بالخالق.

إن مخ المجنون يماثل مخ العاقل، فلماذا يختلفان في العمل مثلا؟ أما العقل فهو القوة المفكرة والتي يفتقدها المجنون.. وأشبه العقل بالكهرباء في البطارية، فساعة تكون مملوءة، وساعة تكون فارغة من تلك القوة، بينما تكون مكونات البطارية موجودة، من أحماض وكربون ورصاص وغيرها، لكن الشحنة الكهربائية لا توجد.

أما الغرائز فيشارك الإنسان فيها الحيوان، فغرائزهما متماثلة، لكن الإنسان يتميز بعواطفه، يحزن ويسر، ويتألم ويستريح، يحب ويكره، دون الحيوان.

والإنسان السوي، هو الذي نمت كافة مكوناته نموا متوازيا.. وفي عالم اليوم، نجد من يهتم بالجسم أولا ، وأخيرا، ومن يريد أن يجور [ ص: 44 ] عليه لتنشط روحه، ويطهر قلبه، ومن يعنى ويهتم بعقله وتحسين قدراته العقلية، ولا يهمه ما وراء ذلك.

وإذا كان الجسم ينمو بالرياضة والغذاء الحلال، فإن الروح تنشط بفعل الخيرات، وعبادة الله، كما أنها تدل على الخير والشر.

والعواطف تسمو وتهبط، حسب سلوك الإنسان وتوجهاته، فإذا توجه لخدمة الآخرين ومساعدتهم، سيحبهم ويحبونه، وإن عاش أنانيا نرجسيا، يعشق نفسه، ويرى سعادتها على حساب الآخرين، فستكون عواطفه سائرة في هذا الاتجاه، تعشق الربح الشخصي، والمنفعة الخاصة، وهو على استعداد لمحاربة الكل، ليظفر بما يريد.

وإذا كان الإنسان السوي من نمت كافة مكوناته نموا متوازيا، فالحضارة كذلك لها مكوناتها الروحية والعقلية والعاطفية والمادية، ولا بد من نمو متوازن وإلا جنحت سفينة الحضارة وغرقت.

ختاما يمكن أن أقول: الجسم وعاء، والروح حارس، والعقل دليل.. الروح تضبط علاقتنا بالله تعالى، والعقل يخبرنا ويدلنا على أن هذا نافع وذاك ضار، لكن الإنسان قد يعمد للضار فيستعمله وإلى النافع فيهمله، وهنا يكون من مهمات الروح منعه من ذلك، فهي الحارس الأمين، لكن الحارس قد يغفل، والروح قد تضعف، فيفقد الإنسان "الرقابة " كلا أو بعضا. [ ص: 45 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية