المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد :
فإن أولى ضروريات الملتزمين بالإسلام، والدعاة خاصة، الاسترشاد بالأحكام والقواعد الشرعية في جميع أمورهم، ولا سيما في مناهج دعوتهم، وأساليبهم ووسائلهم، لبناء عملهم على علم، وقيام دعوتهم على هـدى وبصيرة.
وإن حركة الوعي المبشرة بالخير، والدعوة الصحيحة الناجحة بن الناس، والمقبولة عند الله عز وجل ، هـي التي يتوفر فيها شرطان أساسيان، هـما : التقوى والسداد.
قال تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ) ( الأحزاب: 70-71) .
وهذان الشرطان لا يتحققان إلا بالإخلاص الكبير لله عز وجل ، والعلم الصحيح القائم على معرفة ما يجب على المسلم عامة، والداعية خاصة، في مختلف الجوانب العقدية والعبادية، والمنهجية والسلوكية.
وإن المتفحص لواقع الدعوة الإسلامية وسيرة كثير من رجالاتها، يشهد التخلف الكبير لكثير من أبنائها عن الإلمام بهذا الواجب، حيث يقعد كثير من أهل العلم والفقه عن القيام بواجب الدعوة، منصرفين
[ ص: 37 ] بعلمهم عن دعوتهم، ومنشغلين ببحوثهم ودراساتهم عن حركتهم، في الوقت الذي يتصدر لها كثير من أهل الغيرة والحماس.. فتضطرب الأمور وتختلف المعايير، ويخبط بعض الناس في دعوتهم خبط عشواء، وتصير الدعوة إلى الخطباء والمتحمسين، بدلا من أن تكون بأيدي العلماء العاملين، والفقهاء المتبصرين، فتنطلق الدعوة على غير هـدى، وتمر في مآزق هـي في غنى عنها، ويجر الدعاة إلى مواقف ومشكلات قد تصل بهم إلى الانحرافات الخطيرة، والأخطاء الكبيرة..!
لذا، كان من أولى اهتماماتي الدعوية، معالجة هـذه الظاهرة الخطيرة، حيث حاضرت لعدة مرات، وفي أكثر من مكان زرته في عالمنا الإسلامي وغيره، حول (ظاهرة انفصال الفكر عن الفقه، وأثرها في الدعوة الإسلامية ) ، كما ركزت في أحاديثي وكتاباتي على البصائر الدعوية في جانب المنهج والأسلوب والوسيلة، وتضمن كتابي (المدخل إلى علم الدعوة ) الكثير من هـذه البصائر.
وشجعني على تناول هـذه الموضوعات - إضافة إلى أهميتها التي سبقت - أمران:
الأول : تفهم كثير من أبناء الصحوة الإسلامية لمثل هـذا الأمر، وشعورهم بأهميته والحاجة إليه، وكثرة تساؤلهم عنه، وذلك من خلال النقص الذي لمسوه في أنفسهم وفي الدعاة من حولهم من جهة، ومن خلال الواقع المؤلم الذي تمر به الدعوة الإسلامية المعاصرة في أكثر من مكان من جهة أخرى.
[ ص: 38 ]
الثاني : ندرة الكتابات في هـذه الموضوعات، وبعدها عن متناول شباب الدعوة، وبقاؤها في دائرة البحوث التخصصية التي لا يطلع عليها كثير من الناس. وقليل من هـذه الكتابات والبحوث ما يعنى بربط القواعد الشرعية بالتطبيقات الدعوية، إذ تقتصر غالبا على التطبيقات الفقهية والأصولية مما يجعل الإفادة منها بعيدة وصعبة على كثير من الدعاة..!
ولم أقف - على الرغم من تتبعي لمثل هـذه الموضوعات والاهتمام بها - على كثير من الدراسات والبحوث العلمية والدعوية، ولا سيما التي تربط بين القواعد الشرعية وتطبيقاتها الدعوية، اللهم إلا إشارات عابرة، ووقفات عارضة في ثنايا بعض الكتب الدعوية المعاصرة، والأطروحات العلمية الجامعية الخاصة.
وقد وقفت وأنا في القسم الأخير من هـذا البحث على كتاب ( قواعد فقهية لترشيد الصحوة الإسلامية ) تأليف :
ناصر درويش ، فشد انتباهي إليه تشابه عنوانه مع عنوان بحثي، إلا أني رأيته مقتصرا على بحث ثلاث قواعد فقط.
كما سبق لي الإشراف على بحث مفيد في هـذا، تقدم به الطالب
الشيخ صالح بن سعيد الحربي - وفقه الله - لنيل درجة الماجستير، في قسم الدعوة، في المعهد العالي للدعوة الإسلامية
بالمدينة المنورة ، التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، عام 1414هـ، وكان بعنوان: (فقه الموازنة، وحاجة الداعي إليه ) .
[ ص: 39 ]
ولما قدمت للعمل في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت، تقدم إلي الأخ الكريم
الأستاذ الدكتور عبد الرزاق الشايجي - العميد المساعد حينئذ لشئون البحوث والتدريب - باقتراح كتابة بحث في هـذا الموضوع، فكان اختيار هـذا العنوان : (القواعد الشرعية ودورها في ترشيد العمل الإسلامي ) ، فجزاه الله عني خيرا، فتقدمت بمشروع هـذا البحث، وجاءت الموافقة عليه من إدارة الأبحاث في الجامعة
>[1]
وكان منهجي فيه :
تتبع القواعد الشرعية في جوانب العلوم المختلفة من مصادرها الأصلية : الكتاب والسنة، وآثار السلف الصالح، وكتب القواعد الأصولية والفقهية، على اختلاف أنواعها ومناهجها، وذلك على سبيل التمثيل لا الحصر.
تصنيف القواعد الشرعية على مختلف العلوم الإسلامية الأساسية : العقدية، والعبادية، والتعاملية، والخلقية، والدعوية.. على الرغم من وجود تداخل وترابط بينها.
تقسيم القواعد الشرعية تقسيما جديدا يحيط بجميع أنواعها، ويبعدها عن الحصر العملي في القواعد الفقهية والأصولية، كما مشى عليه معظم الكاتبين في القواعد الشرعية.
ربط نماذج من تلك القواعد الشرعية المتنوعة بتطبيقات
[ ص: 40 ] دعوية مفيدة على وجه يؤصل منهجا أو يعالج خطأ. تسليط الضوء على بعض النماذج التطبيقية الخاطئة لبعض القواعد الشرعية، مع مراعاة القواعد والضوابط العامة لمنهج البحث العلمي.
وقد اخترت أن يكون البحث مؤلفا من تمهيد وقسمين :
وذلك على الوجه التالي :
أ- التمهيد، ويتناول :
- التعريف بالقواعد الشرعية، وأنواعها ونشأتها وتطورها.
- بيان أبرز خصائص القواعد الشرعية.
- بيان أهم المصادر والمراجع في دراسة القواعد الشرعية.
ب- القسم الأول : ويتناول عدة مباحث :
- المبحث الأول : نماذج من القواعد الشرعية العامة، الأساسية منها والفرعية، وتطبيقات لها في الجانب العقدي.
- المبحث الثاني : نماذج من القواعد الشرعية العامة، الأساسية منها والفرعية، وتطبيقات لها في الجانب العبادي.
- المبحث الثالث: نماذج من القواعد الشرعية العامة، الأساسية منها والفرعية، وتطبيقات لها في الجانب التعاملي.
- المبحث الرابع : نماذج من القواعد الشرعية العامة، الأساسية منها والفرعية، وتطبيقات لها في الجانب الخلقي.
- المبحث الخامس : نماذج من القواعد الشرعية العامة، الأساسية منها والفرعية، وتطبيقات لها في الجانب الدعوي.
[ ص: 41 ] ج- القسم الثاني : ويتناول : مقدمة، وثلاثة مباحث :
أولا : مقدمة عن القواعد الشرعية الخاصة ( الأصولية والفقهية ) الأساسية منها والفرعية، وصلتها بالقواعد الشرعية العامة.
ثانيا : المباحث :
- المبحث الأول : نماذج من القواعد الأصولية (الأساسية منها والفرعية ) وتطبيقات لها في الجانب الدعوي.
- المبحث الثاني : نماذج من القواعد الفقهية ( الأساسية منها والفرعية ) وتطبيقات لها في الجانب الدعوي.
- المبحث الثالث : نماذج من التطبيقات الدعوية الخاطئة لبعض القواعد الفقهية والأصولية.
د- الخاتمة :
سائلا الله تعالى أن يعينني على إتمام هـذا البحث المفيد، وأن يجعله مفتاحا لبحوث علمية دعوية مشابهة، تتضافر عليها جهود العلماء والعاملين، والدعاة البصيرين بواقع دعوتهم ومتطلباتها الكثيرة.. تأصيلا للموضوع، وتطبيقا له، ونقدا وتمحيصا لما صدر فيه من كتابات..
كما أسأله سبحانه أن يجعلني ممن شارك في سد هـذه الثغرة الخطيرة، ويقيني -وجميع الدعاة إلى الله- الخطأ والزلل في القول والعمل، فهو المسدد والمعين.
والحمد لله رب العالمين
[ ص: 42 ]