لسان القرآن ومهاده
تتميز اللغة العربية عن غيرها من اللغات السامية، بأنها لسان القرآن الكريم، الذي منحها قوة على قوة، ومتن بنيانها، وهي اليوم أغنى لغة في العالم في مفرداتها، ودقة تعبيرها، وهي أصبر وأجلد لغة على كيد أعدائها.
يقول العالم اللغوي
إرنست رينان ERNEST REANAN إن اللغـة العـربية بدأت فجـأة على غاية الكمال، وأن هذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر، وصعب تفسيره، وقد انتشرت هذه اللغة سلسة أي سلاسة، غنية أي غنى، كاملة لم يدخل عليها منذ ذلك العـهد إلـى
[ ص: 51 ] يومـنا هـذا أي تعديل مهم، فليـس لها طـفولـة ولا شيخوخة، إذ ظهرت أول مرة تامة مستحكمة.
وينظر
الشيخ محمد الغزالي >[1] إلى اللغة العربية من منظار ديني، حيث كتب يقول: " فلغة الرسالة الخالدة، يجب أن تتبوأ مكانة رفيعة لدى أصحابها، ولدى الناس أجمعين، فإن الله باختياره هذه اللغة وعاء لوحيه الباقي على الزمان، قد أعلى قدرها وميزها على سواها " .
ويقول أيضا: " والواقع أن اللغة العربية مهاد القرآن الكريم وسياجه، فإذا تضعضعت وأقصيت عن أن تكون لغة التخاطب والأداء ولغة العلم والحضارة أوشك القرآن نفسه أن يوضع في المتاحف "
>[2] .
والقرآن كتاب يجـب أن ينـظر إلـيه كل عربـي عـلى أنـه منـهج اللغة الأعلى الذي أصفى مناهلها وأعذب مـواردها (...) ، وهو فـي اللغة العربيـة تاج أدبـها وقامـوس لغـتها، ومـظـهر بلاغـتها، فلا عجب إذا ما أذعن البلغاء الفصحاء لإعجاز القرآن طوعا أو كرها، حتى أصبحت لغته هي أصح وأدق الأصول اللغوية والبيانية، وصارت هي
[ ص: 52 ] المقياس والميزان لكل ما يراد للاستشهاد على صحة عربيته من نصوص الأدب الجاهلي
>[3] .
وتتيح لغة القرآن للإعلام المكتوب بالعربية أسباب استقامة أسلوبه، لأنها تتسم بمزايا جمالية وبلاغية، لا تتوفر في أي لغة أخرى، فالأسلوب القرآني يوافق الكلام لمقتضى الحال، ويناسب المقام، ويعتمد الإيجاز البالغ، بدون أن يخل بالـمقصود، ويستخدم الإطناب غير الممل، والتراكيب الشديدة التنوع .. وإن تدبر رجل الإعلام لغة القرآن، لا يصقل أسلوبه فحسب، بل يكسبه الأدوات التعبيرية الملائمة لكل حال ولكل حدث...
لقد أبدع
الشيخ محمد الغزالي ، وهو يصف الأسلوب القرآني: " ...ومع رفعة المصدر الذي تحس أن القرآن جاء منه، إحساسك بأن هذا الشيء أتى من بعيد، فإنك ما تلبث أن تشعر بأن الكلام نفسه قريب من طبيعـتك، متجـاوب مع فـطرتك، صـريح في مـكاشفـتك، بـما لك وما عليك، متلطف في إقناعك، فما تجد بدا من انقيادك لأدلته، وانفساح صدرك لتقبله " .
[ ص: 53 ]