ثانيا: المشكلات الأسرية
قد تتخلل الحياة الأسرية مشكلات تؤدي إلى اضطراب العلاقات بين الزوجين وإلى السلوكات الشاذة والتعاسة الزوجية، مما يهدد استقرار الجو الأسري والصحة النفسية لكل أفراد الأسرة. ويصدر
[ ص: 38 ] النزاع والشجار عن أزواج غير متوافقين مع الحياة الزوجية، نظرا إلى عـدم وضـوح دور كل منهما وتفكـك شبكة العـلاقـات بينـهما، مما يؤدي إلى شعور الزوجين بخيبة الأمل والإحباط والفشل والغضب والنزاع والشجار.
ويعد النزاع والشجار المتكرر بين الزوجين عاملا رئيسا في التفكك الأسري. ولا شك أن حالات النزاع والخصومة التي تجري على مرأى من الأبناء تترك بصماتها على شخصياتهم؛ فنجدهم يهربون من جو الأسرة المضطرب المشحون بالخوف والقلق والصراع، وعدم الاستقرار، باحثين عن بديل يتقبلهم وينتمون إليه ويصبحون أعضاء فيه. وفي أغلب الأحوال يكون هذا البديل هم رفاق السوء الذين يعلمونهم العادات السيئة والسلوكات المنحرفة، فيصبحون عناصر هدم بدلا من أن يكونوا عناصر بناء ومصدر سعادة لأسرتهم ومجتمعهم.
كما أن تكرار النزاع بين الوالدين على مرأى من الأبناء ينعكس على نموهم النفسي، وقد يكون سببا في حالات التمرد والعصيان على الوالدين أو على أحد الوالدين الذي يكون أشد ظلما أو أكثر قسوة من وجهة نظرهم، الأمر الذي يؤدي إلى إحداث شرخ بين الآباء
[ ص: 39 ] والأبناء وشيوع الفوضى داخل الأسرة الواحدة، قد تنتهي بتفرق شمل الأسرة وتشرد الأبناء وضياعهم والشعور بالكراهية والحقد والرغبة في الانتقام من الوالدين والمجتمع بشكل عام.
وتشير نتائج الدراسات إلى أن أبناء الأسر المفككة الذين يعيشون في مناخ أسري مضطرب يسوده الشقاق وعدم الترابط كانوا أقل ثقة بأنفسهم، وأكثر قلقا وتوترا، وأقل توافقا في علاقاتهم الاجتماعية مع الآخرين، وأكثر رفضا للحياة الأسرية التقليدية من نظرائهم الذين يعيشون في أسر مترابطة متحابة يسودها الأمن والتضحية والتعاون ووضوح الأدوار
>[1] .
هذا ومن الجدير بالذكر أن الخلافات الزوجية قد تؤدي إلى خلافات بين الإخوة، وأن الخلافات بين الإخوة قد تفضي إلى خلافات بين الزوجين. وقد تضطرب العلاقات بين الإخوة فيقسو الابن الأكبر على الأصغر، أو الأولاد على البنات، أو الإخوة غير الأشقاء على بعضهم بعضا، فتصبح الأسرة مفكـكـة غـير متـماسـكة، تـهددها الأزمـات التي ينبغي تداركها، وإلا فسيحدث الشقاق الذي ينبغي إصـلاحه، وإلا فسيحدث الطلاق الذي يعصف بالحياة الأسرية برمتها.
[ ص: 40 ]
وقد أجاز الإسلام للزوج أن يجمع بين أربع زوجـات فـقط. فإذا تزوج أكثر من واحدة، وجب عليه أن يعدل بين زوجاته فيما يقدر عليه من التسوية. وللتسوية بين الزوجات قواعد وأصول حددها الإسلام. ويذكرنا سبحانه وتعالى بأن إقامة العدل بين الزوجات ليست مهمه سهلة،
قال الله تعالى:
( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ) (النساء:129) ،
ويؤدي عدم العدل بين الزوجات، عند التعدد، إلى نشوء الخـلافات الأسرية واضطراب المناخ العـائلي وظـهـور أشكال الحقد والحسد والانتقام بين أفراد الأسرة الواحدة.
ويعد الإدمان على المخدرات أو الكحول مشكلة تهز بناء الأسرة بأكملها، ولا يقتصر أثرها على المدمن فحسب. وتشير الإحصائيات إلى أن نسبة التفكك الأسري في أسر المدمنين تزيد على سبعة أضعافها في أسر غير المدمنين. فكما هو معلوم، فإن المدمن يفقد القدرة على القيام بأعباء الأسرة وأعباء العمل جراء تدهوره صحيا واجتماعيا واقتصاديا، فيفقد العمل والأصدقاء والصحة والأسرة، ويصبح عبئا على الأسرة وعامل هدم لبنائها.
كما قد تنشأ الأزمات الأسرية جراء حالات الاضطرابات العقلية
[ ص: 41 ] والنفسية والأمراض المستعصية التي قد يصاب بها أحد أفراد الأسرة، مما قد ينعكس سلبا على بقية أفراد الأسرة. فتسود الأسرة مشاعر الاكتئاب والإحباط واليأس من الحياة وفتور العلاقات الأسرية.