سادسا: الخدم في الأسرة
قد يكون الحديث عن الخدم في الأسرة موجه في الأغلب نحو منطقة الخليج العربي، إذ يشير الكندري
>[1] . إلى وجود حوالي مليون خادم فيها، ويذكر أن وجود الخدم في الأسرة ظاهرة انتشرت في دول الخليج العربي منذ قديم الزمان، عندما كانت الأسر الكبيرة تعتمد على الخدم في حضانة الأبناء وتربيتهم، وتقديم الخدمات المنزلية اليومية من طبخ وتنظيف وكي وغيرها، ومع مرور الزمن أصبحت الأعمال المنزلية لا تمثل واجبا أساسيا، على المرأة أن تؤديه، لذا تحولت هذه الأعمال إلى الخادمة دون أن تفقد الزوجة دورها الاجتماعي كربة بيت. وبالمقابل توجهت المرأة إلى أعمال بديلة كالمشاركة في الأنشطة الاجتماعية والاستقبالات والتنزه والعمل خارج المنزل، وهي مطمئنة لوجود بديل لها في المنزل.
[ ص: 53 ]
ونتيجة لذلك، دخلت الخادمة النسيج الأسري وأسندت إليها، بصورة جزئية أو كلية، مهمة تربية الأطفال وتأمين حاجاتهم البيولوجية والعاطفية من عطف وحنـان وأمومة فأصبحت بذلك أما بديلة، قد يتعلم الطفل منها لغة غير لغته، وقد يتعلق بها عاطفيا، وقد يصبح اتكاليا وغريبا عن بيـئته الحقـيقية، لا بل قـد يعبد ما تعبده، فبعض الخادمات يحملن آلهتهن معهن. فمنهن من تعبد لوحة أو شمعة أو بقرة...إلخ، فيتعلم الطفل منهن ما يبعده عن دينه الحنيف فتفسد فطرته.
وقد يستغرب بعضهم القول: إن ظاهرة الخدم جاءت نتيجة لضغوط اجتماعية معينة، حتى أن الأسرة التي ترفض وجودهم لأسباب وجيهة، غالبا ما تتهم بالبخل والتقتير. وقد أدت هذه الظاهرة إلى تعزيز دور الزوج الآمر الناهي في البيت على حساب الزوجة، في حين وجدت الزوجة من الخادمة متنفسا مقبولا (اجتماعيا) لانفعالاتها، الأمر الذي قد يفسر إصرار الزوجة على وجود الخادمة على الرغم من عدم رضاها عنها.
ويمكن القول بغياب الوعي بالآثار السلبية لوجود الخدم في الأسرة، فقد ظهرت الخادمة كأم بديلة قادرة على القيام بالأعباء
[ ص: 54 ] المنزلية وعلى إشباع الحاجات الأساسية للأبناء، فضلا عن تعلق الأبناء بها عاطفيا إلى حد يمكن معه القول: بأن اعتماد الأبناء عليها بات مهددا لمفهوم الأمومة الحقة، فحتى عندما يطلب الطفل من أمه شيئا، نجدها تأمر الخادمة بإحضاره له. ولا شك أن أسلوب الأخذ والعطاء يعد من الأمور المهمة في تعزيز الرابطة بين أفراد الأسرة الواحدة، وعليه فإن وجود الخادمة كعامل وسيط دائما بين الأم وابنها قد تكون له آثار سلبية تتضح في اهتزاز علاقة الأمومة بينهما.
ومن السذاجة أن يطمئن الوالدان إلى وجود الأبناء مع الخادمة طيلة اليوم، فمعظم الخادمات يأتين من أسر غير مسلمة ومن خلفيات اجتماعية مجهولة لدى الأسر التي يعملن بها، وقد تعرض العديد من الأطفـال لإساءة معاملة وابتزاز لا أخلاقي من الخدم، كما تعرضوا للإهمال والعنف الجسدي بعد غياب الوالدين، خصوصا إذا كانت الخادمة لا تتلقى معاملة طيبة من ربة البيت، فنجدها تحول العدوان إلى الأبناء انتقاما من الأم.
كما قد يتعلم الأبناء القيم والسلوكيات غير المقبولة اجتماعيا ودينيا، وينشأون على جهل بقيمهم الإسلامية وبلغتهم العربية وبهويتـهم الوطـنية، مما يؤدي إلى تفريغ الأسرة من محتواها الخلقي
[ ص: 55 ] والقيمي والوطني. وتكشف الملاحظات الواقعية حـالات من ارتكاب فـاحشة الزنا مع الخادمة جراء خلوة الزوج بها، مما يؤدي إلى تمزيق أواصر الأسرة وتشتيت شملها عندما يذاع الخبر ويعلم به الآخرون.
وجدير بالذكـر أن الأصل في الخادم أن يكون مسلما ممن لا يشتهي النساء، أو من المحارم.. وإذا كانت الزوجة سليمة من الأمراض ومثلها يخدم في بيت أبيه، وزوجها موسر، يلزم الزوج أن يخدم زوجته وإن احتاجت أكثر من خادم على المشهور
>[2] .. وإذا كانت الزوجة سليمة من الأمراض وممن لا تخدم في بيت أبيها، وزوجها معسر، فعليها أن تقوم بالأعباء المنزلية كغيرها من النساء، وقد عبر المالكية عن ذلك بقولهم: (إن لم تكن الزوجة من أهل الإخدام، كأن لا تكون من أشراف الناس بل من لفيفهم، أو كان زوجها فقيرا، ولو كانت أهلا للإخدام، تلزم الزوجة الخدمة في بيتها بنفسها أو بغيرها)
>[3] .
ولما كانت العلاقات الزوجية في الإسلام مبنية على المودة والتعاون، فعلى الزوجة أن تقدر أوضاع زوجها، وإذا كانت تريد الجنة فعليها أن تقتدي بأمهات المؤمنين وزوجات الصحابة، رضي الله عنهن، اللاتي
[ ص: 56 ] كن يؤدين الأعمال المنزلية.. فهذه "
أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما تقول: تزوجني
الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير فرسه. قالت: فكنت أعلف فرسه، وأكفيه مؤنته، وأسوسه، وأدق النوى، وأستقي الماء، وأخرز غربه وأعجن، ولم أكن أحسن الخبز فكانت تخبز لي جارات من
الأنصار وكن نسوة صدق "
>[4] .
وقـد
( شكت فاطـمة رضي الله عنها ما تلقى من أثـر الرحـى في يدها، فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله خادما، فلم تره، فذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها ، فلما جاء ذكرت له، قالت: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبت أقوم، فقال: مكانك، ثم جلس بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري، فقال: ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟ إذا أخذتما مضاجعكما، فسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين، فهو خير لكم من خادم ) >[5] .
وبعد، فهذه فاطمة الزهراء، سيدة نساء العالمين، رضي الله عنها ، تخدم بيتـها وتجد أثر الرحى في يدها من التعب،
[ ص: 57 ] وهذه
أسماء بنت أبي بكر ، ذات النطاقين تقوم بعمل شاق من علف للفرس وسقاية الماء فضلا عن أعباء البيت.
ومن الجدير بالذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يساعد زوجته في أعمال المنزل،
( فعن عائشة رضي الله عنها أنها لما سئلت: ما كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته؟ قالت: كان بشرا من البشر، يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه ) >[6] .
وبعد، فهذه حقوق أوجبها الإسلام على الزوجـية، إذا أداهـا كل من الزوجين يحل الوفاق محل الفرقة، وتحل المحبة محل الكراهية، وتخيم السعادة والاستقرار والتفاهم على الحياة الأسرية، ولن يحدث، بإذن الله، ما يعكر صفوها.