ثانيا: أسباب التفكك الأسري
ميزت في هذا المحور بين أسباب أو عوامل ذاتية وأخرى موضوعية. وأقصد بالذاتية ما له صلة بالتشكيل العقلي، وما يرتبط به من ممارسة وسلوك، وبالموضوعية ما له صلة بالأطر الخارجية التي تكتنف الأسرة وتؤثر في مسارها، وطبيعة وظائفها، ونوعية العلاقات فيما بين أعضائها.
أ ـ الأسباب الذاتية أبرزت في سياق هذا النوع من الأسباب ما له علاقة بالبعد التصوري، والبعد المعرفي، والبعد السلوكي.
[ ص: 84 ] 1- البعد التصوري يحتل هذا البعد مركز الصدارة، من حيث التحكم والتأثير في بناء الأسرة ونسيج علاقاتها وطبيعة سيرها، فهو يتعلق بالجهاز المفاهيمي التصوري، أو ما يسمى بالإطار المرجعي، الذي تحدد في ضوئه المواقف وأنماط السلوك الصادر من كلا الزوجين على حد سواء. فإذا كان توافق الزوجين في المرجعية الفكرية موجبا للتماسك والانسجام، فإن الاختلاف فيها موجب للتنافر والانقسام.
ويدخل هذا الجانب فيما يسمى في الفقه الإسلامي بالكفاءة. فـ «الكفاءة» مفهوم علمي بالغ الأهمية، يعكس بعد نظرة الإسلام إلى مؤسسة الأسرة، وهو يتأسس على أبعاد معرفية علمية ونفسية واجتماعية واقتصادية، يتوجب مراعاتها عند تأسيس الأسر، مع الأخذ في الحسبان لكل حالة قدرها. وإذا كان هناك اختلاف بين الفقهاء حول إدراج بعض عناصر الكفاءة كالمال والنسب، فإن مقوم الدين يظل ثابتا ضمن مقومات الكفاءة عند الجميع.
والحق أن استقراء الواقع الميداني للمجتمع يكشف لنا بأن الأسر التي تعرضت لخطر التفكك، ومن ثم إلى خطر الانهيار والزوال، قد
[ ص: 85 ] أوتيت من مقتل عدم إعطاء الكفاءة ما تستحقه من اعتبار. فما أكثر ما وقع من انزلاق كثير من الآباء أو أولياء الأمور إلى خطأ تزويج بناتهم المسلمات بأشخاص غير أكفاء لهن في الدين
>[1] ، فأورثوهن معيشة ضنكا وجحيما لا يطاق. ونفس الحكم ينسحب على رجال حجبت عنهم المظاهر الشكلية عند اختيار شريك الحياة، من جمال وغنى وحسب، خطورة الإقدام على الزواج بمن لسن ذوات كفاءة لهم في الدين، بفهم تعاليمه وتكاليفه فهما سليما، بالاستعداد النفسي الكامل، للإذعان والخضوع العملي لها،
تمثلا بقول الله سبحانه وتعالى :
( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) (النساء:65) .
ولـذلـك فـقـد حذر سيدنا رسول اللـه صلى الله عليه وسلم من مغـبـة الانـبهـار بالمعايير الزائفة عند الإقدام على الزواج،
( قال عليه الصلاة والسلام : لا تـزوجـوا النساء لـحسـنهن فـعسـى حسنهـن أن يرديـهـن، ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن [ ص: 86 ] تزوجوهن على الدين ) >[2] .
وقـد ورد عـن النـبي صلى الله عليه وسلم قـوله:
( إياكم وخضـراء الدمن، قالوا: وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء ) >[3] .
ويكفي أن نتمثل معنى الإرداء والإطغاء الواردين في الحديث لندرك سوء عاقبة ذلك على توازن الأسرة واستقرارها. فليس مع الانحدار الأخلاقي الناتج عن الغرور، ولا مع الطغيان الناتج عن الغنى، إلا التنازع والصراع ثم الهلاك.
ويندرج تحت مفهوم الكفاءة، أو بتعبير أدق، يرتبط به، مفهوم آخر وهو مفهوم القوامة الذي يشكل الموقف السلبي لكلا الزوجين أو أحدهما منه أثرا خطيرا وساحقا على تماسك الأسرة، فقد يقع مفهوم القوامة ضحية تعسف في الفهم والاستعمال من طرف الرجل، يحوله إلى أداة للقمع والطغيان.
وقد يقع المفهوم ضحية استهتار به من قبل المرأة (الزوجة) نابع من فهم سقيم للحرية، بفعل تأثير التيارات الليبرالية المنفلتة من أي ميزان، يتولد عنه رفـض بـات للقـوامـة، أو تخصيص الرجـل بـها،
[ ص: 87 ] مـما يتحول معه بيت الزوجية إلى بؤرة للمشاكسة والنشوز والعناد.
ولمفهوم القوامة التقاء في بعض أبعاده بمفهوم الطاعة، الذي يشمل الزوجة كما يشمل الأولاد على حد سواء. فإذا كانت الطاعة في المعروف جالبة للخير والبركة والسلام، فإن التمرد والعصيان يجران الأسرة إلى أتون من الويلات والعذاب. وليست الطاعة أبدا في ظل المنظومة التربوية الإسلامية مرادفا للخنوع الذي يجرد شخصية الإنسان من خصائصها المميزة وقدرتها على الإبداع، بل إنها ذلك السلوك النبيل النابع من شعور مرهف بجملة من المعاني السامية التي لا يعقلها إلا العالمون. أما أصحاب القلوب القاسية، فقد حيل بينهم وبين ذلك المرتقى.
فعندما نقف مثلا أمام قوله سبحانه وتعالى في شأن علاقة الأبناء بالآباء:
( واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ) (الإسراء:24) ،
فإننا ندرك السر العميق والحكمة الكامنة من وراء هذا الأمر الرباني الجليل.
2- البعد السلوكي إذا كان البعد التصوري المعرفي يعبر عن نفسه من خلال وعي الزوجين والأولاد، كل بموقعه ووظيفته في بنية الأسرة، وأن زيف هذا الوعي ينعكس سلبا على تماسكها، فإن البعد السلوكي، على الرغم من علاقته الواضحة به، إلا أنه يملك قدرا من
[ ص: 88 ] الاستقلالية عنه، لأن السلوكات والممارسات لا تنتج بشكل تلقائي آلي عن المفاهيم والتصورات، فهي تحتاج إلى دربة وترويض تكتسب النفس من خلالهما أنماطا من السلوك والمهارات، تصطحب معانيها ودلالتها بحسب اصطحابها للنية الخالصة والإرادة الحية الناضجة.
وهذه الحقيقة هي ما يفسر لنا كثيرا من التناقضات التي يقع فيها كثير من الناس رغم اعتناقهم للإسلام، بسبب استخفاف يصدر منهم إزاء كثير من التشريعات، مما يدفعون ثمنه غاليا من سعادة الأسرة وتماسك بنيانها. ومرد ذلك بلا ريب إلى الهوة العميقة بين التصورات والتصرفات، فضلا عما تشكو منه التصورات عينها من تشوهات بسبب النقص على مستوى تحصيل المعارف الشرعية الهادية. وغير خاف على أولي الألباب ما يكمن وراء هذا الفصام النكد من غلبة موجات التغريب العاتية وما تمارسه من ضغوط للحيلولة دون استتباب الأمر لأي نموذج متكامل يحمل صفة الإسلام.
ولنضرب مثالا على الفصام المذكور، أمرا يتعلق بجانب من الجوانب التنظيمية المرتبطة بالأسرة في علاقته بأحد الضوابط الكفيلة بالمحافظة على حرمة بيت الزوجية، وبسد مداخل الشيطان التي تهب منها ريح السموم التي من شأنها أن تطيح بكيان الأسرة ولو بعد حين.
[ ص: 89 ]
يتعلق الأمر بالاختلاط بين الرجال والنساء الأجانب، الذي حرمه الإسلام وحذر من مغبة سهامه القاتلة.إن التساهل في أمر الاختلاط يشكل خرقا خطيرا تتسرب منه المياه إلى سفينة الأسرة، بسبب ما يؤدي إليه من تلوث لمناخ العلاقات بين الأسر، وما ينجم عنه من تفلتات، وفي أحسن الأحوال، من شكوك تلغم العلاقات الزوجية وتحولها إلى بؤرة من العذاب. وهذا فضلا عن مثل السوء الذي يؤثر سلبا في التشكيل الوجداني والنفسي للأطفال الذين يكتنفهم محيط الأسرة، ويتلقفون كل ما يجري فيه من سلوكات، شريرة كانت أم خيرة.
«لقد أحسست بفزع شديد وغثيان عارم وأنا أقرأ في عدد من جريدة «المسلمون» الغراء، بصفحة «المسلمات» عن مشكلة طرحتها إحدى النساء المتزوجات، تلتمس لها حلا. وتكمن المشكلة في كون الزوجة الآثمة تشعر بميل جارف نحو زوج جارتها الذي يختلف كثيرا - والتعبير لها- عن زوجها في الطموح والنجاح والبهجة والمرح، وتحسد زوجته عليه...! إن أول شيء نقرره هنا أن هذه المشكلة، وإن كانت تمثل نموذجا صارخا للتلوث الذي يعتري القلب فيصيبه بانفصام رهيب وازدواجية قاتلة، فإنها لا تمثل حالة نادرة في عصر سادته الفوضى واختلت فيه الموازين واخترقت فيه
[ ص: 90 ] الحدود وديست القيم، فأصبحنا أمام خطر ماحق يهدد الأسر بالتفكك والمجتمع بالخراب»
>[4] .
ولا يفوتني في تحليل هذه النقطة إبراز حقيقة في منتهى الخطورة والأهمية، كثيرا ما يغفل عنها قطاع واسع من الناس، وهي أن مكر الماكرين وإصرارهم على تدجين الإنسان وتجفيف منابع الخير فيه، قد هداهم إلى أن المانع من كثير من الخبائث إنما هو خلق الحياء، فهو لب جهاز المناعة الواقي من الانحدار إلى أسفل سافلين، ومن ثم فإن سلب خلق الحياء من الكيان النفسي للإنسان يعد تدميرا لذلك الجهاز النفسي في حياته، ومدخلا واسعا إلى الشرور والموبقات، فأحكموا خططهم
>[5] .
من أجل إنجاز هذه المهمة القذرة، ولا يزالون يجدون ليل نهار من أجل تجريد الإنسان من آخر خيط في نسيج ستار الحياء، أحد شعب الإيمان التي أفردها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذكر مع أعلاها، حيث
( قال عليه الصلاة والسلام : الإيمان بضع وسبعون شعبة أعظمها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، [ ص: 91 ] والحياء شعبة من الإيمان ) >[6] .
ويعد هذا وجها من وجوه الإعجاز العلمي في مجال المعرفة بمداخل النفس وآليات الفعل التربوي، التي تزخر بها كنوز السنة النبوية الشريفة، فقد احتفت بهذا الخلق الرفيع بشكل لافت لأنظار أولي الألباب.
فإذا كان
( الحياء لا يأتي إلا بخير ) >[7] ، كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن فقدانه لا ينجم عنه إلا الشر، ومن أبرز هذا الشر، ذاك الذي يهاجم الأسرة، فيزرع في مفاصلها بذور التفكك والانحلال.
ولذلك
( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن مما أدرك الناس من كلام النبـوة الأولى: إذا لم تستح فاصـنع ما شـئت ) >[8] .
وفيه تحذير بليغ من التفريط في الحياء؛ لأنه ليس بعد ضياعه إلا طوفان الفساد الذي يسلب الإنسان آدميته ويورده موارد الهلكة والبوار.
ب - عوامل موضوعية
أميز في هذه العوامل بين ما ينتمي إلى الدائرة القريبة التي يمثلها محيط الأسرة الضيق، وبين ما ينتمي إلى الدائرة المتوسطة، أي
[ ص: 92 ] المجتمع الصغير الذي يكتنف الأسر، وأخيرا العوامل المتمثلة في مراكز التأثير والقرار الدولية، مع الإشارة إلى صعوبة الفصل بين هذه الدوائر؛ لأنها تشكل كتلة متراصة، على اعتبار أن جميعها رهين برؤى ثقافية واختيارات فكرية.
1 - الدائرة الصغرى: محيط الأسرة الداخلي فإذا تناولنا الدائرة الأولى بالمعالجة، ألفيناها على قدر بالغ من الأهمية؛ لأنها تملك تأثيرا مباشرا على مجريات الأسرة وعلاقات أعضائها.
فغياب الأب أو الأم عن الأسرة بشكل غير عادي، أو لمدة أطول من المعقول، يخلف فراغا نفسيا وتربويا تنعكس نتائجه السيئة على تماسك الأسرة ووحدتها والتحامها. فإذا كان غياب الأم بسبب العمل خارج البيت يتسبب في حرمان الأطفال من حقهم من العطف والحنان، فإن غياب الأب يترتب عنه علاوة على الحرمان من المدد العاطفي افتقاد الأسرة للمحور الجامع والراعي الأمين، الذي يمثل السلطة المادية والمعنوية التي تعمل على حفظ التوازن بين الرغبات، درءا لحالة الفوضى والاضطراب، هذا في الحالة التي يكون فيها الأبوان في مستوى إدراك عظم المسئولية تجاه الأبناء.
[ ص: 93 ]
أما في الحالة المعاكسة، فإن الأبوين حتى مع وجودهما قد يكونان وبالا على تماسك الأسرة واستقرارها، بسبب ما يحتدم بينهما من نزاعات تلقي بظلالها القاتمة على الأولاد، فيتراوح تأثير ذلك بين توريث هؤلاء الأولاد نزعة سوداوية تجاه الحياة قد تشكل خميرة لاستنساخ تجارب مريرة مماثلة أو أشد حدة، وبين أن يسقطوا صرعى لمظاهر من الانحراف السلوكي تزيد كيان الأسرة تفتيتا وتفككا. وقد تكون المعاملة غير العادلة من الآباء للأبناء مما ينتج عنه هزات عنيفة لكيان الأسرة بسبب ما يخلفه ذلك من ضغائن وأحقاد، وتكون تلك الهزات في شكل موجات محمومة من التوتر والقلق قد تفضي -إن لم تطوق في الوقت المناسب- إلى التنابذ والعداوة والشقاق.
ومن باب الاعتبار بما يقع للأقوام الآخرين من نكسات وانهيارات أسوق بعض ما أورده
المؤلف الأمريكي ستيفن كوفاي في مؤلفه (العادات السبـع للعائلات الفـعالـة للغـاية) ،
[ ص: 94 ] حـيث يقـول: «إن 83% من الأسر في
الولايـات المتـحدة تعمل فيها الزوجات خارج البيت مع إهمال كبير في غالب الأحيان لرعاية الأطفال، حيث يقضي الطفـل الأمريـكي يوميا سبع ساعات أمام التلفاز، الذي يعرض الكثير من مشاهد العنف والـجنس والـخيانة الزوجـية. وتخلي الأبوين، والأم خاصة، عن التربية هو السبب الأساسي في الجنوح والإجرام»
>[9] .
ومن العوامل التي تندرج تحت هذا الصنف الفرعي من العوامل الموضوعية ما يطلق عليه «صراع الأجيال». إن هذا العامل يتحول إلى مشكل فعلي يهدد الأسرة بالتفكك في الحالة التي يفتقد فيها الآباء عنصر الحكمة وحسن إدارة الاختلاف في الرؤى وفهم الأمور بينهم وبين أولادهم.
ويتعمق هذا المشكل تبعا لعمق الهوة التي بين هؤلاء وهؤلاء على مستوى الثقافة والوعي، وكذلك في غياب تشرب الأولاد لقيم التربية الإسلامية الحاثة على طاعة الآباء والإحسان إليهم على كل حال.
2- المحيط المجتمعي يساهم المحيط المجتمعي، بروافده السياسي والاجتماعي والثقافي والإعلامي والتعليمي التربوي، بشكل ملحوظ في توهين الوشائج المألوفة بين أعضاء مؤسسة الأسرة، في ظل تعميق النزعة الفردية. فتعدد الولاءات السياسية قد يجعل من أفراد الأسرة
[ ص: 95 ] جزرا متنافرة، كل يولي وجهه شطر ما يراه، معبرا عن اختياراته الفكرية أو مصالحه المادية.
أما من الناحية الاجتماعية، فإن المفارقة بين فئات ممعنة في الترف وأخرى ممعنة في الفقر، تولد لدى الأولى دواعي الانحلال والانسلاخ من القيم الداعية إلى التماسك والائتلاف لحساب «الأنا» المنتفخة النزاعة إلى العب من الشهوات حتى الثمالة. وتولد لدى الثانية أخـلاق القسوة واليأس وضيق الصدر، والنزوع إلى الصراع. ولا شك أن مستوى التماسك والتساند يتضرر في ظل الأسر المنتمية إلى هذين الصنفين من الفئات.
وعلى المستوى الثقافي، يشكل انسياق الفكر والثقافة في اتجاه منحرف عن هيمنة الإسلام وقيمه، كما يشكل الضخ الإعلامي العاتي وسيادة ثقافة الصورة وسحر التقنيات العالية الحبكة والإتقان، فتنة عمياء تسبب للناس ذهولا عن بعضهم بعضا، وتقذف بهم في غيبوبة بعيدة المدى.ولا شك أن التماسك الأسري يتأذى من جراء هذه الوضعية الحرجة.
وقد التفت أحد المفكرين الغربيين إلى خطر العولمة على الأبنية والتضامن الاجتماعي،
[ ص: 96 ] يقول
سيرج لاتوش : (فمن خلال الإدماج الاقتصادي العالمي، ومن خلال العولمة الثقافية، ومن خلال ألف من القنوات المتباينة التي تتبادل تعزيز بعضها، تتسلل الفردية إلى كل مكان، وتتفشى بعمق متزايد دوما في المجتمعات غير الغربية، على أن العقلية الفردية تمثل خميرة تحلل للعلاقة الاجتماعية، وهي تنخر في نسيج التضامنات التقليدية كسرطان)
>[10] .
أما على الصعيد التعليمي التربوي، فتظل المناهج الدراسية الملغومة بأفكار وتصورات وقيم تعمل على استنساخ النموذج الغربي للعلاقة بين الرجل والمرأة بعامة، ولمفهوم الأسرة بخاصة، وكذلك للعلاقة بين الآباء والأبناء، تظل تلك المناهج تمثل معول هدم يفتك بعقول الناشئة الذين يراد منهم أن يشكلوا عوامل شرخ داخل حمى أسرهم بما يحملونه من أفكار تدعو للصراع بدل الوئام، وللفردية بدل الجماعية، وللإباحية بدل الالتزام بمكارم الأخلاق.
3- ثقافة حقوق الإنسان قد يكون من دواعي الاستغراب أن تصنف ثقافة حقوق الإنسان ضمن عوامل المساهمة في تقويض دعائم التماسك الأسري! ومع ذلك فإن من الأكيد أن في المسألة وجها يعبر عن حقيقة هذا الحكم. ذلك أن ثقافة حقوق الإنسان
[ ص: 97 ] بحمولتها الغربية والمتلبسة برؤية الإنسان الغربي للحياة وللإنسان، تقيم حواجز صارمة وجدرا سميكة بين حقوق كل من المرأة والطفل، علاوة على عدم إيلاء أي اعتبار لحق الرجل (الزوج) وحق الأسرة وحق المجتمع.
هذا مع العلم أنه لا يمكن أن يتصور الإنسان العاقل حقوق هؤلاء منفصلا بعضها عن بعض، فهي كل لا يقبل التبعيض.
يقول
الدكتور عبد الوهاب المسيري وهو يتحدث عن «العلمنة» الشاملة للأسرة والزواج، ما يتضمن تأكيدا للحقيقة السالفة الذكر: (وتأخذ علمنة الأسرة شكل قيام الدولة بكثير من الوظائف التي كانت تضطلع بها الأسرة في السابق، مثل التعليم وتنشئة الأطفال، الأمر الذي يجعل الأسرة لا وظيفة لها، ثم يتحول أعضاء الأسرة بالتدريج إلى أفراد مستقلين، لكل حقوقه الكامنة فيه «حقوق الإنسان»، وتتحول الأسرة من أسرة ممتدة إلى أسر نووية، وتظهر بعد ذلك حقوق المرأة فحقوق الطفل، وبذا تبدأ الأسرة كوحدة متكاملة مبنية على التراحم في الاختفاء»
>[11] .
[ ص: 98 ]