ثالثا: ظهور الإسلام وتأسيس حقوق الإنسان في ذلك الوقت الذي كانت فيه أوروبا تعيش قرونها الوسطى المشبعة بالسلطان الكلي للدولة، والسلطة المطلقة للحاكم، ولا يعرف الحاكم ولا الأفراد شيئا اسمه حقوق الإنسان، جاء الإسلام بتصور كامل لحقوق الإنسان؛ تأسيسا للحقوق من جهة -بحيث تشكل قيدا على السلطة المطلقة- ومنهجية لتفعيلها من جهة أخرى ضمن الشريعة الإسلامية.
وقد جاءت الشريعة الإسلامية بنظام جديد للدولة؛ هـو الدولة
[ ص: 50 ] الخاضعة لقانون الشريعة؛ أي الدولة القانونية بجميع أركانها وضماناتها من وجود دستور هـو المرجعية للسلطة والأفراد، ينظم السلطة ويضع القيود عليها لمصلحة حقوق الإنسان، وتدرج في القواعد القانونية، وخضوع الإدارة للقانون، والاعتراف بالحقوق والحريات الفردية مع ضمانات تحقيقها، وفصل بين السلطات، وتنظيم رقابة قضائية، وتقرير مبدأ اختيار الحاكم ومراقبته وعزله.
وبذلك يكون الإسلام قد جاء بدولة فريدة في التاريخ، غير معروفة أو مألوفة قبله على الإطلاق
>[1] .
هذه الدولة بأوصافها التي ذكرناها، والتي من أهم أهدافها الأساسية تحقيق حقوق الإنسان ، كانت سببا لتصريح بعض كبار علماء القانون العام بأنها كانت: «أول دولة قانونيـة -في الأرض- يخضع فيها الحاكم للقانون، ويمارس سلطاته وفقا لقواعد عليا تقيده، ولا يستطيع الخروج عليها.
فقد كان الخليفة مقيدا بأحكام القرآن والسنة، واختصاصاته محددة بما للأفراد من حقوق وحريات نص عليها الإسلام، ونظمها، وقرر الضمانات التي تكفل حمايتها ضد اعتداء الحكام والمحكومين على السواء.
[ ص: 51 ] فالإسلام عرف فكرة الحقوق الفردية المقدسة، التي تكون حواجز منيعة أمام سلطات الحاكم عشرة قرون قبل أن تظهر على ألسنة فلاسفة العقد الاجتماعي»
>[2] .