الخاتمـة
وهكذا قد ظهر من البحث أن القانون الدولي لم يستطع أن يقدم حلا سليما بشأن حقوق الإنسان، وأن القانون الدستوري هـو الآخر قاصر عن تقديم الحل لحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وكلاهما فيه من المعضلات ما لا يمكن حله بوسائل من صنع القانون، على نحو ما برهناه في البحث.
كذلك قد ظهر من البحث أن تعداد حقوق الإنسان وتسطيرها وتنظيرها على نحو ما فعل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية بشأن حقوق الإنسان، هـو جري وراء السراب بدليل الواقع المعاش في العالم، وأن منهجية تفعيل حقوق الإنسان الفريدة التي يمتلكها الإسلام هـي وحدها الكفيلة بحماية حقوق الإنسان على الوجه الأمثل، تلك المنهجية المتألفة من شقين عظيمين:
الأول: المنظومة الثلاثية من الأحكام الخاصة بنظام العقيدة الإسلامية، ونظام الأخلاق الإسلامية، ونظام العبادات الإسلامية، التي تصلح الإرادة، والسلوك، ومن ثم القرار للفرد والمجتمع وأشخاص السلطات الحاكمة، وبدون إصلاح الإرادة والسلوك
[ ص: 135 ] والقرار يستحيل حماية حقوق الإنسان من الانتهاك، وما مصائب الدنيا كلها إلا بفعل إرادات فاسدة وقرارات فاسدة.
والثاني: خصائص أحكام حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية من حيث كونها (وحيا إلهيا) وما ينشأ نتيجة لهذه الصفة من إيجابيات عظيمة منها:
الكمال، والخلو من النقائص؛ كالخطأ والظلم والهوى ونحوها، مما يفضي إلى حتمية تحقيق المصالح، وتمتعها بقدر كبير من الهيبة والقدسية والاحترام، وقوة الإلزام، وحسن الالتزام، والطاعة الاختيارية، والخضوع التلقائي، واتصافها بالحل والحرمة بدلا من الجائز والممنوع، وتنظيم العلاقة بين السلطات الحاكمة والأفراد على أساس رابطة (الأخوة) وليس (المواطنة) ، ونحو ذلك من النتائج المترتبة على الصفة الدينية، وكون حقوق الإنسان في الإسلام وحيا إلهيا.
وكذا تأثير بقية الخصائص لأحكام حقوق الإنسان التي تشكل ضمانات فعالة ومنتجة لحماية حقوق الإنسان؛ كتقرير مبدأ (ثنائية المسئولية) ، المتمثل بوجوب تطبيق المسلم أحكام حقوق الإنسان على نفسه وحمل غيره على تطبيقها أيضا؛ أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر، وهو مبدأ لا تعرفه القوانين الوضعية، إضافة إلى خصيصة (ثنائية الجزاء)
[ ص: 136 ] في الدنيا والآخرة على انتهاك حقوق الإنسان، وهو ما يخلو منه القانون الوضعي؛ لأن القانون لا يستطيع أن يعد الناس بجزاء في الآخرة، إضافة إلى خصيصة كون الحقوق والحريات (منح إلهية) وليست حقوقا طبيعية، ومن ثم فهي حقائق أبدية ثابتة وليست نسبية، فهي غير قابلة للنسخ والإلغاء؛ لأنه لا نسخ بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك اتصافها بالشمول لكل الحقوق والحريات التي عرفها القانون والتي لم يعرفها، والعموم لكل الناس، مسلمين وغير مسلمين.
وأخيرا خصيصة الوسطية والاعتدال، من غير إفراط في حقوق الفرد على حساب مصلحة الجماعة كما هـو الحال في النظم الرأسمالية، ولا تفريط بحقوقه بدعوى مصلحة الجماعة كما هـو الحال في النظم الماركسية، والنظامان متطرفان بالقياس إلى خصيصة الوسطية والاعتدال الإسلامية في تشريع حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
ومن هـذين الشقين العظيمين: المنظومة الثلاثية من الأحكام في نظام العقيدة، والأخلاق، والعبادة، التي شأنها إصلاح الإرادة والسلوك ومن ثم القرار للفرد والجماعة وأشخاص السلطات الحاكمة. وخصائص أحكام حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية، وما يترتب عليها من إيجابيات كبيرة. من هـذين الشقين العظيمين
[ ص: 137 ] تتألف منهجية تفعيل حقوق الإنسان في الإسلام، وهي منهجية متفردة يمتلكها الإسلام وحده.
وليس مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو الاتفاقيات الدولية من هـذه المنهجية إلا الخواء الكامل والإفلاس التام، وهذا هـو سر أزمة حقوق الإنسان في العالم على المستوى الدولي والداخلي؛ إذ لا سبيل إلى سيادة حقوق الإنسان مع افتقاد هـذه المنهجية التي تضمنها القرآن، والتي يشكل النأي عنها والنهي عنها السبب الرئيس في جميع انتهاكات حقوق الإنسان، التي يشهدها العالم المعاصر في صورة ظلم صارخ مهلك للأمم والشعوب والأفراد،
قال تعالى عن القرآن:
( وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون ) (الأنعام:26) ،
وقال:
( إن هـذا القرآن يهدي للتي هـي أقوم ) (الإسراء:9) ،
وقال تعالى:
( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) (الأنفال:24) .
( تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون ) (الجاثية:6)
[ ص: 138 ]