المطلب الرابع: التحقيق في بعض القواعد المقررة في الفقه وأصوله
لقد تضمن التراث الإسـلامي فـي نظر الإمام الشـوكاني قواعـد لا مستند لها من اللغة أو الشرع، ولكن شيوعها بين العلماء جعلها ترتقي إلى درجة القطعية، وتصبح قانونا تعرض عليه نصوص الكتاب والسنة. وفي بيان ذلك قال: «ومن جملـة أسباب التعصب التي لا يشعر بها كثير من المشتغلين بالعلوم ما ذكره كثير من المصنفين من أنه يرد ما خالف القواعد المقررة. فإن من لا عناية له بالبحث يسمع هـذه
[ ص: 201 ] المقالة ويرى ما صنعه كثير من المصنفين من رد الأدلة من الكتاب والسنة إذا خالفت تلك القاعدة، فيظن أنها في اللوح المحفوظ. فإذا كشفها وجدها فـي الغالب كلمة تكلم بها بعض من يعتقده الناس مـن أهل العلم، الذين قـد صاروا تحت أطـباق الثرى، لا مستند لها إلا محض الرأي وبحت ما يدعى من دلالة العقل»
>[1] .
من هـنا عد
الشوكاني من مقومات البحث الفقهي الموضوعي الكشف عن مثل هـذه القواعد في علم الفقه وأصوله، وبيان ضعفها، وعدم صحة التمسك بها في إنشاء الأحكام، حيث قال:
«وهكذا نجد في علم أصول الفقه قاعدة قد أخذها الآخر عن الأول، وتلقنها الخلف عن السلف، وبنوا عليها القناطر، وجعلوها إماما لأدلة الكتاب والسنة، يجيزون ما أجازته، ويردون ما ردته، وليست من قواعـد اللغـة الكلية، ولا من القوانيـن الشرعية، بل لا مستند لها إلا الخيال المختل، والظن الفاسد والرأي البحت... كاستدلالهم بمثل: حكمي على الواحد حكمي على الجماعة. وبمثل: نحن نحكم بالظاهر... فالمغرور من يرقى بها من كونها موضوعة إلى كونها صحيحة، ثم من كونها صحيحة إلى كونها قطعية، وهكذا ما وقع في كثير من أبواب الفقه من ذكر قواعد يطردونها في جميع المسائل، ويظنون أنها من قواعد الشرع الثابتة بقطعيات الشريعة، ومن كشف عن ذلك وجد أكثرها مبنيا على محض الرأي الذي ليس عليه أثارة من علم، ولا يرجع إلى شيء من الشرع»
>[2] .
[ ص: 202 ] وبعد هـذا الوصف قرر
الشوكاني وجوب التحقيق في مثل هـذه القواعد وعدم اتخاذها مسلمات تنبني عليها مقدمات البحث ونتائجه، فقال: «فعلى من أراد الوصول إلى الحق، والتمسك بشعار الإنصاف أن يكشف عن هـذه الأمور، فإنه إذا فعل ذلك لم يحل بينه وبين الحق ما ليس من الحق»
>[3] .