الغذاء وتنمية الذكاء
مما لاشك فيه أن غذاء الطفل له آثاره المباشرة على سلوكه النفسي والاجتماعي.. ومن الدراسات الميدانية التي أجريت للتعرف على هـذه الآثار، دراسة قامت بها الباحثة الدكتورة عفاف حسين بجامعة حلوان ، المصرية، حيث أجرت دراسـتها، التي استغرقت عامين متصلين، في قرية بمحافظة القليوبية ، شملت عينة من 110 أطفال ( 55 من كل جنس) تتراوح أعمارهم بين 18 – 30 شهرا، عن طريق الإطلاع على تقارير عن غذاء الطفل خلال الأربع وعشرين سـاعة، مع متابعة أوزان العينات، وقد أمكن التوصل إلى عدة نتائج، أهمها:
* إن متوسط ما يحصل عليه الأطفال من طاقة كلية، في اليوم، أقل من احتياجهم اليومي من السعرات، بالنسبة للأعمار المختلفة، مع بعض الميل للزيادة عند الأعمار الأعلى، أما متوسط ما يحصل عليه كل من الجنسين من البروتين، أعلى من الاحتياج اليومي، ويمثل البروتين الحيواني ثلث البروتين الكلي تقريبا.. كما تبين أن هـناك نقصا واضحا في الحديد الذي يتناولـه الطفل عن الاحتياج اليومي، خاصة بالنسبة للأعمار الصغرى، وكان ذلك واضحا من النسبة العالية للأطفال المصابين بالأنيميا (66.7 % من الذكور 52.6% من الإناث) عند عمر 18 شهرا، [ ص: 35 ] وانخفضت هـذه النسبة إلى (40 % عند الذكور و30.8% عند الإناث) بالنسبة للأطفال الذين يبلغون من العمر 30 شهرا. * مع تقييم حالة النمو لدى الأطفال، بدراسة تغيير متوسط الأطوال والأوزان مع العمر، كان متوسط الطول لكل من الجنسين، أقل من الطول القياسي، تبعا لما قررته منظمـة الصحـة العالمية ، وظل يمثل 92 % من هـذا الطول القياسي عند الأعمار المختلفـة، أما متوسط الوزن فكان يقترب من الوزن القياسي عند الأعمار الأعلى، وكانت نسبة من كان طوله أقل من 90 % من الطول القياسي لنفس العمر، تتراوح بين 20 إلى 40 % حيث كانت النسبة أكبر عند الأعمار الأعلى، وفقا لبعض الدراسـات.. وكان ما بين 20 إلى 40 % من الأطفال في الدرجة الأولى من سوء التغذية، وما بين 10 - 27 % من الأطفال كانوا في الدرجة الثانية. * وبتقييم النمو الذهني للأطفال عند أعمارهم: 8 و 24 و30 شهرا باستخدام مقياس "بايلي" تبين عدم وجود تأثير واضح لما يحصل عليه الطفل من طاقة وبروتين، تحديدا، على نموه الذهني. * وأخيرا بتقييم المقاييس السلوكية للنشاط الكلي للطفل، وتكلمه وحالة تيقظه، اتضح أن هـناك عدم استقرار في المقاييس السلوكية، خاصة حتى عمر 26 شهرا، وتبين بعض الاخـتلافات بين الذكـور والإناث، كما اتضح وجود علاقات بين ما يحصل عليه الطفل يوميا من طاقة كلية، وكل من النشاط الاجتماعي والنشاط الكلي، أما حالة التيقظ للإناث، [ ص: 36 ] فعلى العكس،لم تكن هـناك علاقة واضحة بين الطاقة والنشاط الاجتماعي بالنسبة للذكور، ولكن تبين وجود علاقات مع مقاييس السلوك الأخرى، وكان تأثير ما يحصل عليه من البروتين يوميا على مقاييس السلوك أقل من تأثير الطاقة عامة. وكانت خلاصة تلك الدراسة أن النتائج أوضحت أن سلوك الطفل الاجتماعي يتأثر بما يحصل عليه يوميا من طاقة وبروتين، وأيضا علاقته بالبيئة المنـزلية. لكن كيف يقبل الطفل على الطعام ؟ إن إقبال الطفل على الطعام و التمتع به هـو من مميزات الطفل الذي يتمتع بالصحة النفسية والجسمية معا، ولكن تدريب الأطفال الواجب اتباعه في الأكل والنوم والإخراج ليس بالأمر الهين، كما أنه كلما كانت هـذه العادات سليمة نشأ الطفل سليما نفسيا وبدنيا.. ذلك لأن الصحة الجسمية تعتمد إلى حد كبير على الصحة النفسية وعلى العادات التي تعودها الفرد منذ الطفولة بالنسبة للتغذية والنوم. وتتمثل المشاكل الخاصة بالأكل، في إهمال الآباء لتنشئة الأبناء على عادات سليمة، إهمالا تاما، أو مبالغتهم في القلق على تغذيتهم.. وكلا الاتجاهين يسبب الاضطراب السلوكي والنفسي للطفل في طفولته وما بعد الطفولة، وحتى في فترة المراهقة وفي كهولته، كما يؤثر تأثيرا ضارا على درجة تكيفه الاجتماعي ورفاهيته، وأيضا على صحته الجسمية. وهناك بعض الأنماط السلوكية للآباء بالنسبة لتغذية الأطفال، فمن [ ص: 37 ] الأباء من يجيب الطفل إلى كل ما يطلبه من طعام، وقـد يكون ما يطلبه الطفل باستمرار هـو الحلوى أو نوع من بعض أنواع محددة من الطعام دون سواها، ويلبي طلبه بأسرع ما يمكن... ومنهم من يجيبون الطفل إلى بعض ما يطلب وبدون قلق، وبعض الآباء يستعمل أسلوب الإلحاح ثم العنف مع الأطفال ليأكلوا.. ومنهم من يلجأ إلى التحايل مع الخضوع، والتسليم للطفل في كل ما يطلب حتى يأكل، ويصبح وقت الأكل من أصعب الأوقات للآباء و للطفل بصفة مستمرة، ويظهر فيها قلق الآباء على صحة الطفل بشكل واضح يدفع الطفل للسيطرة عليهم.
إن أنماط الأباء السلوكية نحو تغذية الأبناء، أنماط تكاد تكون ثابتة ومتكررة، ولذلك ترتبط مناسبة الأكل في ذهن الطفل بانفعالات الخوف أو الغضب، أو التألم، والضيق، أو انفعالات الارتياح.. كما تساعد هـذه الانفعالات على تكوين عواطف الحب أو عواطف الكراهية، مما يؤثر على شخصية الطفل وصحته النفسية والجسمية، ومن الثابت علميا أن الحياة الانفعالية للطفل لها أثر ضار على عملية الهضم، فالأكل المرتبط بالخوف والغضب والثورة والعناد يعطل ويقلل من فاعلية عملية الهضم، مما يضر بنمو الطفل، وصحته العامة، إن التمثيل الغذائي يحتاج إلى جو نفسي هـادئ، وحالة نفسية غير مضطربة بالخوف، والغضب.
كما أن الانفعالات الضارة، بل حتى انفعال الفرح، تؤدي في الغالب إلى ضعف الشهية عند الطفل. [ ص: 38 ]
فالأباء المرضى بالقلق النفسي يقلقون كثيرا على صحة أبنائهم، ويعتبرون كثرة الأكل دليلا على صحة الطفل، بل يدفعون الطفل للأكل لدرجة قد تصل به للتخمة، وذلك كوسيلة من وسائل إنقاص توتر الآباء بالقلق النفسي.. كما أن الآباء المتزمتين يهتمون بطريقة مبالغ فيها بتقنين أوزان الأطفال وأطوالهم، ويشعرون بالقلق الشديد إذا بدا لهم ضعف شهية الطفل، فيدفعونه قسرا إلى الأكل مما يدفعه إلى السخط.. هـذا في حين أن رغبة الطفل للأكل تتغير كثيرا، وأنه يصعب تقنين الغذاء الواجب تناوله في كل مرة؛ ذلك لأن شهية الطفل، بل شهية الشخص البالغ، مرتبطة بدرجة صحته العامة وحالته النفسـية، أي أنه كلما كان الشخص سليما جسميا، ويتمتع بالصحة الجيدة، وكلما كانت حالته لانفعالية حسنة، كانت شهيته للطعام جيدة.
التالي
السابق