أساليب الإقناع المستخدمة في الرسالة الاتصالية
تتنوع وتتعدد الأساليب المستخدمة في الرسالة لإقناع المتلقي بمضمونها، فأساليب عرض المحتوى تؤثر على التعليم والإقناع، وهناك العديد من الاعتبارات التي تؤدي الى اختيار أسلوب معين لتقديم النص الإعلامي، واستخدام نوع معين من الاستمالات، بما يتوافق وطبيعة الموضوع وخصائص جمهور المتلقين. ومن تلك الأساليب الإقناعية:
1 - وضوح الأهداف مقابل استنتاجها ضمنيا
الإقناع يكون أكثر فعالية عند ذكر أهداف الرسالة أو نتائجها بوضوح، لذلك يجب أن لا نترك للجمهور عبء استخلاص النتائج بنفسه. وقد أسفرت نتائج الدراسات والبحوث التي أجريت على الجمهور -فيما يتعلق بتغيير الاتجاهات- عن أن الذين غيروا اتجاهاتهم بما يتوافق وأهداف الرسالة بلغت الضـعف حينما قدم المتحدث نتائجه بشكل محدد، وذلك بالمقارنة إلى نسبة الذين غيروا اتجاهاتهم بعد أن تعرضوا لرسالة ترك المتحدث نتائجها يستخلصها الجمهور.
[ ص: 64 ]
وفي الواقع فإن القرآن جاءت آياته كلها واضحة الأهداف.
ومما يجدر ذكره أن هـذه الأساليب والاعتبارات قد تذهب إلى أبعد من ذلك؛ حيث تتجاوز مستوى الوضوح مقابل الضمنية، فهي أيضا تتوقف على ظروف أخرى كثيرة مثل:
أ - مستوى تعليم وذكاء المتلقي.
ب - درجة أهمية الموضوع أو ارتباطه بالمتلقي.
ج - نوع القائم بالاتصال.
فالملاحظ أنه كلما زاد ذكاء المتلقي وتعليمه كان من الأفضل ترك الهدف ضمنيا. وإذا كان الموضوع مهما للمتلقي فسوف تتوفر لديه معلومات كثيرة عنه، الأمر الذي يجعله يدقق ويتفحص رسائل القائم بالاتصال وأهدافه، وبالتالي يصبح تركه ليستخلص النتائج بمعرفته أكثر فعالية، كذلك إذا كان القائم بالاتصال محل شكوك المتلقي فإن تأثيره سوف يقل إذا قدم الرسالة بشكل محدد. ويمكن ملاحظة ذلك في قصة
سيدنا موسى عليه السلام مع العبد الصالح في الآيات من (66) – (80) من سورة الكهف.
[ ص: 65 ] 2 - تقديم الأدلة والشواهد
يقول الله تعالى:
( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت ) (الغاشية: 17–20) .
يسعى معظم القائمين بالاتصال إلى دعم رسائلهم الإقناعية بتقديم أدلة أو عبارات تتضمن إما معلومات واقعية أو آراء منسوبة إلى مصادر أخرى غير القائم بالاتصال. ويمكن تقديم بعض التعميمات حول تأثير تقديم الأدلة والشواهد، منها:
أ - يرتبط استخدام الأدلة والشواهد في الرسالة بإدراك المتلقي لمصداقية المصدر، فكلما زادت مصداقية المصدر قلت الحاجة لمعلومات تؤيد ما يقوله.
ب - تحتاج بعض الموضوعات أدلة أكثر من غيرها، خاصة تلك الموضوعات التي لا ترتبط بالخبرات السابقة للمتلقي.
ج - يقلل التقديم الضعيف للرسالة من وقع وتأثير أي دليل.
د - تقديم الأدلة يكون وقعه أكبر على الجماهير الذكية؛ أي: أولئك الذين يتوقعون إثباتا للأفكار المعروضة عليهم.
[ ص: 66 ]
هـ - يتوقف تأثير الدليل على ما إذا كان المتلقون يعتبرونه صحيحا أو غير صحيح.
3 - عرض جانب واحد من الموضوع مقابل عرض الجانبين؛ المؤيد والمعارض
وجد بعض الباحثين أن تقديـم الحجـج المؤيـدة والمعارضة في الموضوع الواحد أكثر فعالية وأقدر على التعبير لدى الفرد المتعلم؛ وحيـن يكون الجمهور مترددا فإن تقديم الجانبين يكون أقوى أثرا؛
يقول الله تعالى:
( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هـؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ) (البقرة:30-33) .
[ ص: 67 ]
ولذلك نجد أن الآية رقم (34) في سورة البقرة تؤكد أن الملائكة قد وصلوا إلى قناعة بالطرح الرباني، فحينما أمرهم بالسجود
لآدم عليه السلام أقبلوا دون تردد،
قال تعالي :
( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ) (البقرة:34) .
وفي المقابل يكون التركيز على جانب واحد من الموضوع أكثر فعالية على تغيير آراء الأفراد الأقل تعليما، أو الأفراد المؤيدين لوجهة النظر المعروضة في الرسالة، حيث يصبح تأثير الرسالة في هـذه الحالة تدعيما.
4 - ترتيب الحجج الإقناعية داخل الرسالة
يشار إلى الرسالة التي تحتجز أقوى وأهم الحجج إلى النهاية بأنها تستخدم في ذلك ترتيب الذروة، أو تأثير النهاية، أما الرسالة التي تقدم الحجج الأقوى في البداية فهي تتبع تأثير عكس الذروة أو تأثير البداية. ولا بد من الإشارة هـنا إلى أنه ليس هـناك قاعدة أو قانون عام لترتيب الحجج في عملية الإقناع، فقد ذهبت بعض الدراسات إلى أن الحجج التي تقدم في البداية تأثيرها أقوى من الحجج التي تقدم في النهاية، بينما أظهرت دراسات أخرى نتائج عكس ذلك. ويرى
[ ص: 68 ] بعض الباحثين أن تأجيل الحجج الأقوى حتى النهاية أفضل من تقديمها في البداية، ولنا أن نلاحظ ترتيب الحجج في القرآن الكريم، كما في قصة
سيدنا إبراهيم عليه السلام مع
النمرود ، حيث جاءت الحجة القوية في نهاية الأمر:
( فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين ) (البقرة: 258) .
5 - استخدام الاتجاهات والاحتياجات الموجودة لدى الجماهير
يرى علماء الاجتماع أن الجمهور يكون أكثر استعدادا لتدعيم احتياجاته الموجودة عن طريق تطويره لاحتياجات جديدة عليه تماما؛ بمعنى أن الرسالة تكون أكثر فعالية حينما تجعل الرأي أو السلوك الذي تعرضه يبدو للجمهور على أنه وسـيلة لتحقيق احتياجاته الموجودة فعلا،
وفي القرآن الكريم يقول تعالى:
( إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هـل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين ) (المائدة:112-113) .
[ ص: 69 ] 6 - التكرار
يرى عدد من علماء الاتصال أن تكرار الرسالة من العوامل التي تساعد على الإقناع؛ ذلك أن التكرار يؤدي إلى تذكير المتلقي باستمرار بالهدف من الرسالة، ويثير في الوقت نفسه احتياجاته ورغباته. وفي القرآن الكريم نجد الكثير من الآيات والقصص قد تم تكرارها، وخير مثال لذلك قصة
سيدنا موسى عليه السلام .
فهذه هـي استمالات وأساليب الإقناع التي اتفق حولها كثير من الباحثين في هـذا المجال، ويوصي عدد منهم بضرورة اختيار الرموز اللغوية الواضحة والمفهومة والمألوفة، والبعد عن الألفاظ أو الرموز المهجورة، مع مراعاة خصائص الجمهور فيما يتعلق باستخدام قواعد النحو والصرف، والأساليب البلاغية، وهذا كله مما يؤثر على يسر القراءة وسهولة التعرض للوسيلة الإعلامية، ولكن مما يثير الجدل شيوع الاعتقاد بأن اللغة الانفعالية تعتبر أحد الأساليب المهمة في الإقناع، وبالتالي يعتبر مستوى اللغة الانفعالية أحد الخيارات المطروحة في الرسائل الإقناعية.
[ ص: 70 ]