مقترح ببعض المواد والمقررات
إن المواد والمقررات التي يمكن إدراجها ضمن مناهج العلوم الإنسانية والاجتماعية في الجامعة الإسلامية الأفريقية كثيرة كثرة موضوعات الإنسان والمجتمع وقضاياهما ومشكلاتهما، لكن في حدود هـذه الدراسة نقترح بعض ما يحسن إدراجه في هـذا الإطار، وذلك على مستويين:
[ ص: 150 ] المستوى الأول: بعض المواد التخصصية الملائمة لبعض الفروع الجامعية
لإيجاد علاقة تعاضدية وتكاملية بين العلوم الشرعية والعلوم الإنسانية يمكن اقتراح المواد التالية :
- في قسم الشريعة
- القانون الوضعي مقارنا بالقانون الإسلامي.
- النظم السياسية والنظام السياسي الإسلامي.
- علم الاجتماع الإسلامي.
- في قسم الدعوة والإعلام الإسلامي
- علم النفس الاجتماعي الإسلامي.
- الإعلام الإسلامي.
- التربية الإسلامية.
- في قسم اللغة العربية والحضارة الإسلامية .
- علم التاريخ الإسلامي.
- الأنثربولوجيا الإسلامية.
- علم الاجتماع اللغوي.
وإذا كنا نكتفي - في حدود هـذه الدراسة – بتسمية هـذه المواد، فلا شك أن إعداد محتوى كل منها مشروط بما تمت صياغته إسلاميا لكل عنوان من هـذه العناوين. وإذا كان المنجز الإسلامي الخاص ما زال محدودا بالنسبة لأكثرها، فإنه من الضروري أن يكون للجامعة الإسلامية الأفريقية
[ ص: 151 ] إسهامها في هـذا الخصوص، وبخاصة ما يتعلق بالحقائق المتصلة بالإنسان والمجتمع في
أفريقيا المسلمة.
ولعل ما تعرضنا له في الفصل الأول من مقاربات نقدية، تناولت جانبا من الدراسات الغربية المتصلة بأفريقيا المسلمة، عبر علوم الأنثربولوجيا والتاريخ والسياسة والاجتماع والنفس والإعلام، وما اقترحناه في الفصل الثاني من بدائل منهجية ومعرفية، يمكن إدراجه ضمن «محتوى» المواد والمقررات المقترحة في إطار منهاج الجامعة الإسلامية الأفريقية.
المستوى الثاني: بعض المواد والوحدات النوعية التي يتسق إدراجها مع الإطار البيئي لأفريقيا المسلمة
ثمة مواد ووحدات نوعية تتصل بشكل مباشر بالواقع الأفريقي، وترتبط على نحو عضوي بالإنسان والبيئة المحلية. وسنقدم هـنا بعضها، مع ذكر أبرز الموضوعات والقضايا التي يمكن أن تحتويها، على أن تتم صياغتها بما ينسجم مع المنهجية المعرفية الإسلامية، وبما يخدم عمليات تجلية الحقائق النسبية الخاصة بالإنسان والمجتمع في أفريقيا المسلمة.
- التاريخ الإسلامي في أفريقيا
مما نقترح إدراجه ضمن هـذه المادة:
- تاريخ الهجرات العربية إلى
القارة الأفريقية ، وبيان العلاقة بين
الجزيرة العربية وأفريقيا قبل الإسلام، ثم تاريخ دخول الدعوة الإسلامية إلى القارة، ومنافذ دخولها، ومراحل انتشارها، والطرق والأساليب التي اتبعت في ذلك.
- أوجه التداخل والتفاعل (الهجرة، التزاوج، الاختلاط، التجارة) بين
[ ص: 152 ] مسلمي
الجزيرة العربية ومصر والمغرب من جهة،
وأفريقيا السوداء من جهة أخرى، مع التعرض إلى أشكال التجاوب بين الأفارقة وأولئك المسلمين، ثم بيان ما أحدثه الإسلام في حياة الأفريقيين من تغيرات نفسية واجتماعية.
- تفنيد المزاعم القائلة: بأن أفريقيا لم تشهد حضارة أفريقية نبتت في ظل الإسلام وازدهرت بازدهاره، وأن الأفارقة لم يعتنقوا الإسلام طواعية. ويمكن ضمن هـذا الموضوع دراسة ظاهرة الرق بشكل موضوعي، وتقويمها إسلاميا، مع كشف زيف ما تحاوله الدراسات الغربية من تشويه للإسلام والمسلمين من خلال هـذا الموضوع.
- دراسة تاريخ الدول والممالك الإسلامية التي شهدتها القارة على مدى تاريخها الإسلامي، والتعرف على مقوماتها، وعناصر قوتها، وأسباب اضمحلالها، مع إبراز السنن في حياة الدول، والشروط الموضوعية التي تؤسس للبقاء والاستمرارية، مع الاهتمام بالتفرقة بين ما هـو سياسي شرعي وما هـو سياسي غير شرعي في ممارسات تلك الدول والممالك. ويمكن هـنا تناول الخلافة الصكتية في
زنجبار ، ومملكة
غانا ومالي ، وإمارة
الهوسا ، وسلطنة
كانم بورنا ، وغيرها.
- عرض حياة وجهود أبرز العلماء والمصلحين ودعاة التجديد، وقادة الحركات الجهادية والتغييرية، في المجتمعات الأفريقية المسلمة، ويمكن تناول أسماء مثل:
أسكيا الحاج محمد في
سنغى ،
ومحمد بن عبد الرحمن البرناوي ،
وابن الجرمي والشيخ ولد يد في
برنو ،
وأحمد الجراني في
الحبشة ،
ومحمد بن عبد الله في
الصومال ،
والسلطان سعيد في
زنجبار ،
والإمام المهدي في
[ ص: 153 ] السودان ،
والأمير عبد القادر وابن باديس والمقراني في
الجزائر ،
وابن عبدالكريم المغيلي في
أدرار ،
وماء العينين في
موريتانيا ،
وحميد المرجبي في
الكونغو ،
والحاج عمر الفوني في
مالي وغينيا ،
وعثمان بن فودي وأحمد وبيللو في
نيجيريا ،
وسيكو أحمد والأحمد في
مالي ،
وموديبو إداما في
شمال الكاميرون وشرق نيجيريا ،
ومحمد بن علي السنوسي في
الصحراء الغربية ،
والشيخ عبد السلام الأسمري وعمر المختار في
ليبيا ،
وعبد الكريم الخطابي في
المغرب ،
والشيخ محمد النخلي في
تونس ،
والشيخ طوري في
السنغال .
ويمكن دراسة حياة هـذه الشخصيات وغيرها، مع عرض جهودها في إطار الحركات والاتجاهات التي قادوها أو أسهموا فيها، لتأكيد التاريخ الجهادي والثقافي للقارة، وكون أن الإسلام كان المحرك الأساس للمقاومة والتطلع نحو الاستقلال والإصلاح ومشاريع النهوض، وبالتالي الرد على المؤرخين الغربيين أو غيرهم ممن يحاولون تجاوز هـذه الحقيقة أو تهميشها.
- الظاهرة الاستعمارية والصراع الدولي على القارة
مما نقترح تناوله ضمن هـذه الوحدة :
- الموجات الاستعمارية الأوربية: الفرنسية، والبريطانية، والهولندية، والبلجيكية، والبرتغالية، والألمانية، والإيطالية، والأسبانية، التي تعرضت لها القارة الأفريقية، مع عرض لبعض الظواهر التي اقترنت بتلك الموجات كتجارة الرقيق، مع الكشف عما قام به المستعمر من تخريب ثقافي، ونهب للخيرات، واستغلال للأيدي العاملة، وتحليل كيف أن ذلك كله قد شكل
[ ص: 154 ] مصدرا للتراكم الرأسمالي في الدول الغربية، وأسهم في نشوء ظاهرة التخلف التي ظلت تعاني منها القارة
>[1] حتى الآن.
- تحليل الأهداف الاقتصادية والسياسية والثقافية للغزو الاستعماري، وعرض ممارساته التي قامت على النهب والتدمير والاستضعاف.
- تبيين الوسائل التي استخدمها ذلك الغزو في تنفيذ خططه ومشاريعه في القارة، كالتجهيل، والسيطرة اللغوية، ومحاربة الإسلام واللغة العربية، ثم وقوفه بالضد من القوى الرافضة، مع إلقاء الضوء على أدواته التي استخدمها، سواء قبل الغزو أو أثنائه أو بعده كالمكتشفين والمستشرقين والجنود والمعلمين والتجار والمبشرين، وبعض الفئات المحلية.
- بعد تراجع الإمبراطوريات الاستعمارية التقليدية وظهور الاتجاه نحو تقسيم العالم منذ مطلع الستينيات، كان الصراع الاستعماري بين الدول الكبرى،
كأمريكا والاتحاد السوفيتي وفرنسا وغيرها
>[2] قد نشب من أجل إعادة بناء نظام دولي للتبعية، إلا أنه بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وظهور العديد من التغيرات الإقليمية والعالمية، بدأ يظهر ما يسمى بالنظام الدولي الجديد الذي تقوده
الولايات المتحدة الأمريكية ، ومن ثم صعود حركة « العولمة » التي أخذت تتسلق مختلف بلدان العالم ومنها
أفريقيا ، وفي ضوء ذلك لا بد أن تتضمن هـذه الوحدة:
[ ص: 155 ]
- ظاهرة الصراع الدولي على القارة، ومحاور اهتماماته، وأطرافه، وأساليبه، وأدواته، ومتغيراته، والتطورات التي آل إليها.
- آثار هـذا الصراع، بخاصة في ظل نظم ناشئة وفقيرة، ويغلب عليها الطابع الانقلابي، وتخضع بحكم نمط قياداتها وظروفها إلى الاستقطاب الدولي والتبعية.
- وفي السياق نفسه يمكن دراسة التغلغل الإسرائيلي في القارة، وأهدافه، ووسائله، وعناصره، وأنشطته، بخاصة ما يمس منه العلاقات العربية الأفريقية.
- إلقاء الضوء على المدخل الثقافي للسياسات الاستعمارية، وتوضيح دور التعليم وما يرتبط به من تدريب للمتعلمين الأفارقة بهدف تشكيل صفوات متغربة «أنجلو أفريقية» و «فرانكفو أفريقية»
>[3] على وجه الخصوص.
- الظاهرة اللغوية في أفريقيا
يمكن أن تشتمل هـذه الوحدة على المفردات التالية :
- علاقة اللغة بالهوية والشخصية والثقافة.
- توضيح أهمية اللغة العربية بالنسبة للمسلم، بصفتها لغة القرآن والحديث وغالب التراث الإسلامي، فضلا عن كونها اللغة التاريخية في
أفريقيا ، بله لغة الثقافة الأولى لأزمان طويلة وفي أماكن واسعة من هـذه القارة.
- علاقة اللغة العربية باللغات واللهجات المحلية، كلغة الهوسا والسواحيلية ممن تأثر بالعربية، ويمكن أن يتضمن هـذا الجزء دراسة التداخل والتفاعل بين العديد من اللغات واللهجات الأفريقية مع اللغة العربية
>[4] والتي
[ ص: 156 ] وصلت مفردات العربية في بعضها بما نسبته40% إلى50%
>[5] كما هـو الحال مع لغات
الهوسا والسواحيلية، والصومالية،
والماندنجو ،
والوولوف ، ولغات
النيجر ،
وأثيوبيا ،
وأرتيريا ، وغيرها.
- التعرض لأزمة الحرف العربي في لغات
أفريقيا المعاصرة، والذي كانت تكتب به قرابة ثلاثين منها، وكيف عمل المستعمر على استبدال الحرف اللاتيني بالحرف العربي في هـذه اللغات.
- واستطرادا، يمكن التعرض لدور الاستعمار الأوربي في محاربة اللغة العربية، سواء عن طريق إلغائها، أو تشديد الخناق عليها بوسائل منها إحياء اللهجات المحلية، أو فرض اللغات الأوربية، كالفرنسية والإنجليزية وغيرها، إن على صعيد التعليم أو الإعلام أو على صعيد الإدارة، وكشف صلة ذلك كله بمخطط تحطيم الشخصية الإسلامية الأفريقية وإيجاد القطيعة المعرفية بين الأفارقة وتراثهم الإسلامي.
- توضيح الصلة بين اللغة والثقافة، وكيف أن اللغة في أفريقيا ما زالت تنطوي على بعد آيديولوجي بدليل أنه في
تنجانيقا ، أثناء الحقبة الاستعمارية، لم ترض البعثات التبشيرية باستخدام اللغة السواحيلية في المدارس، على أساس أنها تحض على نشر القيم الإسلامية، والموقف نفسه اتخذته البعثات المذكورة في
أوغندا >[6] .
[ ص: 157 ]
- وضع استراتيجية لغوية جديدة تعيد للغة العربية واللغات الأفريقية الإسلامية في المجتمعات الأفريقية سابق مكانتها، ووضع آليات لهذه الاستراتيجية تعيد اللغات الأجنبية إلى حدودها كلغات ثانية، وذلك انطلاقا من مبدأ أن اللغة تمثل عنصرا أساسا في تكوين الهوية ومشروع الاستقلال والنهضة.
- التبشير في أفريقيا
من المواد أو المقررات التي ينبغي إعطاؤها الاهتمام، في مناهج الجامعة الإسلامية، التبشير، نظرا للدور الواسع الذي تلعبه الحركة التبشيرية في
القارة الأفريقية ، وما ينطوي عليه هـذا الدور من خطورة، بحكم الظروف المعيشية والمعاناة الإنسانية التي يعيشها الملايين هـناك.
لذا نقترح أن يدرج ضمن هـذا المقرر:
- تاريخ التبشير المسيحي، وأنشطته في العالم، وفي
أفريقيا بوجه خاص.
- علاقة التبشير بالاستشراق والاستعمار والدول الغربية، وببعض النظم والاتجاهات والمؤسسات في بلدان القارة.
- أهداف التبشير بوجه عام، وأهدافه في أفريقيا بوجه خاص.
- أساليب التبشير، ووسائله المتبعة في
أفريقيا عموما، وفي أفريقيا المسلمة بوجه خاص، مع لفت النظر إلى إمكانية الاستفادة من بعض تلك الأساليب والوسائل في الدعوة والاتصال الإسلاميين.
- كيفية التعامل مع التبشير، وإيجاد الآليات المناسبة (كالحوار مثلا) التي تجمع بين هـدف التحصين الذاتي من جهة، والتنبيه إلى عدم جعل الظاهرة مبررا للصدام، بما قد يخل بأولويات الاهتمام التي تقتضيها الظروف الراهنة.
[ ص: 158 ] - الوحدة الإسلامية في أفريقيا
يمكن أن نقسم هـذه الوحدة إلى قسمين:
الأول: يتناول دراسة تيارات الوحدة التي شهدتها
القارة الأفريقية ، كحركة الجامعة الأفريقية التي نادى بها «
كوامي نكروما » في
غانا ، و «
أزيكوي » في
نيجيريا ، و «
جوموكينياتا » في
كينيا ، وفكرة «الزنوجة» التي نادى بها «
ليوبولد سنغور » في
السنغال ، و «
اليون ديوب » و «
أوبا فيمي » في
نيجيريا ، وحركة «الوعي الأسود»، وكذلك حركات التحرر الأفريقية، والفكر المعبر عنها في كتابات «
أليكس لا جوما » و «
فغاليلي » في
جنوب أفريقيا ، و «
فرانتز فانون » و «
أبيلكار كابرال » فضلا عن الحركة الأفريقية الأسيوية في ضوء مؤتمر
باندونغ ، والوحدة الأفريقية في صيغها الجديدة، مع تناول وثائق كل هـذه الاتجاهات ومؤتمراتها وأدبياتها، وتحليل اهتماماتها الفكرية والثقافية والسياسية والتنموية، ومن ثم تقويمها.
الثاني: دراسة الوحدة الإسلامية في أسسها النظرية، وبناء مفهوم إسلامي للوحدة
>[7] ذي أبعاد عقيدية، وتشريعية، واجتماعية، وسياسية، وثقافية، واقتصادية، مع تتبع أوجه التطبيق الوحدوي القائم، أو الممكن، أو المطلوب، في البلدان الأفريقية المسلمة.
- إن من مهام الجامعة الإسلامية الأفريقية: الإسهام في العملية الوحدوية، والعمل على التوفيق بين طوائف المسلمين ومذاهبهم واتجاهاتهم ما أمكن، وبحيث لا تكون طرفا في التناحرات أو الصراعات، كما يتوجب
[ ص: 159 ]
أن يضمن منهاجها كل ما يرسخ الوعي بأهمية التقارب والوفاق، ونبذ التنازع، وإدراك خطورة الفرقة.
- وهنا لا بد أن يشار إلى الدور الوحدوي الذي أسهمت فيه بعض الجامعات في مجتمعاتها، كالجامعتين الإيطالية والألمانية، من خلال سعيهما تكتيل الإرادة القومية ضد الاحتلال النابليوني، كذلك الجامعه العبرية في
القدس التي عملت على تقوية الفكر الصهيوني واستقطاب
يهود العالم، قبل إنشاء إسرائيل
>[8] .
- كما يمكن تضمين هـذه الوحدة دراسة الأسباب التي تؤدي إلى الفرقة، داخلية كانت أو خارجية، واقتراح السبل لمواجهتها، ويمكن في هـذا السياق نقد المفاهيم والاتجاهات التفريقية التي تقسم مسلمي القارة تقسيمات عرقية، أو جغرافية، أو مذهبية، أو تصنفهم سكانا أصليين ومهاجرين.
- كما يمكن من وجه آخر عرض التجارب والجهود التقريبية، التي شهدها العالم الإسلامي
والقارة الأفريقية ، كتجارب بعض الجماعات في
مصر والسودان على الصعيدين المذهبي والسياسي، وما تقوم به منظمة المؤتمر الإسلامي على الصعيد الدولي، وجهود منظمة «الإيسيسكو» على الصعيد الثقافي، ثم تقويم كل تجربة أو جهد، وصولا إلى الصيغ المناسبة والأكثر تطورا.
[ ص: 160 ]