مقدمة
( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من دعا إلى هـدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا ) >[1] ، وإني أرجو من الله عز وجل أن أساهم ببعض المـلامح لرؤية تأصـيلية حـول قضية المرأة، وأن أكون بذلك داعـية إلى الهدى في الدنيا، متقية بذلك من حر يوم الحسـاب، يوم لا ظل إلا ظله سبحانه.
أعتقد، والله أعلم، أنه قد آن الأوان، في خضم هـذا الظرف الحرج العصيب الذي تجتازه الأمة العربية الإسلامية، أن نضاعف جهدنا لبسط قضايانا باستنباط رؤى ومواقف تستمد شرعيتها من تجذيرها في رحم المرجعية الشرعية الموثقة بالقرآن الكريم والسنة الصحيحة، ومن امتدادها في الواقع لفهمه وضبط آليات تطوره
[ ص: 39 ] وتغييره، وتعمل على نبذ مختلف المؤثرات الخارجية التي فرضت ومورست على العقل العربي المسلم منذ احتكاكه بالغرب، بسبب ظروف تاريخية وسياسية متعددة لا مجال للتذكير بها.
وقد تبين لي من خلال قراءتي لواقع الأمة، وممارستي العملية والميدانية، أن من أهم معوقات التغيير وأخطر أسباب السقوط الحضاري والتخلف المزري الذي تعيشه الأمة في وقتنا الراهن، هـو عدم ممارسة النقد والتقويم واكتشاق الأمراض المزمنة ومعالجتها وفق ضوابط شرعية، وعدم استمرارية الاجتهاد في التحكم بتوجهات الحاضر والاستفادة من الماضي بسلبياته وإيجابياته واستشراف المستقبل، وعدم وضع الدراسات والبرامج المختلفة لمحاولة فهم المجتمعات الإسلامية والارتقاء والسمو بها، وهو أمر ننتظره من علمائنا ومثقفينا المدركين لطبيعة المرحلة التي نعيشها، والتي أصبح فيها الإسلام غريبا ينعت بمختلف النعوت التي من أبسطها أنه عقيدة رجعية جامدة متطرفة.
ولعل وعي هـؤلاء العلماء والمثقفين لحقيقة دينهم وعقيدتهم، ومقاومـة مثل هـذه التوجهات التي تقوض كيان الأمة من الداخل، ما يسعف على تقديم الإسلام بأصوله الثابتة الصالحة لكل مكان وزمان ومتغيراته المطالبة بالاجتهاد وفقه الواقع، وذلك من أجل
[ ص: 40 ] الانخراط في عمليات التغيير، التي يأتي على رأسها سد الفراغ الفكري والروحي الذي يعاني منه الشباب، والأخذ بأيديهم لمعرفة ذواتهم، وإقامة التوازن بينها وبين العالم المحيط بهم، وتبليغه بأنه مكلف برسالة كونية يجب أن يؤهل للقيام بها، وتبصيره بمختلف معوقات التغيير التي تحول بينه وبين اختياره للنهوض بهذه الرسالة.
ومن أهم المعوقات التي تحول بيننا وبين التغيير والارتقاء بمجتمعاتنا الإسلامية إلى مدارج الرقي الحضاري، وضعية المرأة المسلمة، ابتداء من وضعيتها الأسرية والاجتماعية، مرورا بالثقافية والفكرية، وانتهاء بالتوجيهية والتربوية في هـذه المجتمعات.
وربما كان من نافلة القول: بأن مسئولية المرأة في تغيير المجتمع والارتقاء به، ومسئولية بناء الإنسان القادر على هـذا التغيير، وتأثيرها في توجهاته السلوكية الفكرية، منذ أن يكون نطفة، ثم رضيعا تلقمه مع قطرات الحليب أولى بذور التربية والتوجيه، ثم طفلا تشكله بممارساتها، وتغرس في صدره وعقله قيمها ومبادئها، هـي مسئولية كبيرة وخطيرة، بل هـي في رأيي أكبر من مسئولية الرجل، باعتبار أنها نصف المجتمع والنصف الآخر يتربى في أحضانها. ومن هـنا يمكن أن ندرك خطورة هـذه الوضعية في المجتمع الإسلامي وطبيعتها في واقع
[ ص: 41 ] المسلمين، وأهميتها في النهوض الحضاري، والعمل على وضعها في مسارها الحقيقي والطبيعي الذي حدده الله عز وجل في قوله تعالى:
( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ) (التوبة:71) .
ومن هـذا المنطلق، يستمد هـذا الكتاب شرعيته ليكون، إن شاء الله، بمثابة دعوة مستعجلة لأنفسنا كي نقوم بوقفة متأنية وصريحة مع ذواتنا، وذلك بمحاولة تجاوز ما راج في كتاباتنا من حديث متكرر عن المرأة مجتث الجذور عن حالتها الأسرية والاجتماعية والفكرية والثقافية، وتأثير هـذه الحالة في واقع المسلمين، أي الوقوف مع الذات واستنطاقها ومعرفة مكانة المرأة في مجالها التأصيلي، ومعرفة وضعيتها في مجالها الواقعي، ثم الكشف عن مسببات الخلل في هـذه الوضعية، وتصويبها بالمراجعة والنقد، والتقويم بخطاب موضوعي تحليلي يحاول تجاوز الأسلوب الخطابي والوصفي في تناول ما يعرف بقضية المرأة، وإعادة بناء شخصيتها الفاعلة في معركة التغيير والنهوض والتأصيل. عساها تكون، إن شاء الله، مساهمة فعالة في الكشف عن بعض معوقات الارتقاء الحضاري.
وعلى الله قصد السبيل.
[ ص: 42 ]