كشاف القناع عن متن الإقناع

البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

صفحة جزء
( وتقدم بعد ذلك في استيفاء القصاص ويؤخر ) إقامة الحد على ( سكران حتى يصحو ) ليحصل المقصود من إقامة الحد وهو الزجر ( فلو خالف وحده ) أي السكران قبل صحوه ( سقط ) قال في المنتهى وشرحه إن حس بألم الضرب وإلا فلا لأنه لم يوجد ما يزجره ( ويؤخر قطع خوف تلف ) أي موت المحدود بالقطع لأنه حيف ( وإن مات ) المحدود ( في حد أو قطع سرقة أو تعزير أو تأديب معتاد ) من سلطان أو معلم أو والد أو زوج ( وتقدم في الديات فلا ضمان عليه ) أي على أحد لأنه حد وجب لله تعالى فلم يجب فيه شيء لأنه نائب عن الله ولأنه مأذون فيه شرعا كسراية القصاص ( إن لم يلزم التأخير فإن لزم ) التأخير بأن خيف التلف من القطع ( ولم يؤخر ) القطع ( ضمن ) القاطع المقطوع إن سرى إليه لأنه غير مأذون فيه إذن .

( وإن زاد ) الجلاد ( في الحد سوطا أو أكثر عمدا أو خطأ أو ) زاد ( في السوط ) بأن ضرب بأكبر مما تقدم أنه يضرب به ( أو اعتمد ) الجلاد ( في ضربه أو ) ضرب ( بسوط لا يحتمله ) لمرض أو نحوه ( ضمنه ) لأنه تلف بعدوانه أشبه ما لو ضربه في غير الجلد ( بكل الدية ) لأنه قتل حصل من جهة الله وعدوان الضارب فكان الضمان على الضارب كما لو ضرب مريضا سوطا فقتله ( كما إذا ألقى على سفينة موقرة حجرا فغرقها فإن كانت الزيادة من الجلاد من غير أمر ) أحد ( فالضمان على عاقلته ) إن كان خطأ كسائر أنواع الخطإ .

( ومن أمر بزيادة فزاد جاهلا تحريمها ) أي الزيادة فتلف المضروب ( ضمنه الآمر ) كما لو أمر بالقتل مكلفا يجهل تحريمه ( وإلا ) أي وإن لم يكن الضارب جاهلا تحريم الزيادة ضمنه ( الضارب ) لأنه غير معذور وكمن أمر بالقتل مكلفا يعلم تحريمه ( وإن تعمده ) أي الزائد ( العادة فقط ) ضمنه وحده دون الضارب وغيره ( أو أخطأ ) العادة في العدد ( وادعى الضارب الجهل ضمنه العاد ) هكذا في بعض النسخ وقاله في [ ص: 84 ] الإنصاف وغيره وفي بعضها مشطوب عليه وليس بظاهر ( وتعمد الإمام الزيادة ) في الضرب ( شبه عمد تحمله العاقلة ) لأن الدية وجبت نهاية فكانت على عاقلته كما لو رمى صيدا فقتل آدميا وليس ذلك من خطئه في حكمه ليكون في بيت المال .

( وإن كان الحد رجما لم يحفر له ) أي المرجوم ( رجلا كان أو امرأة ) لأنه عليه الصلاة والسلام لم يحفر لماعز قال أبو سعيد { لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم ماعز خرجنا به إلى البقيع فوالله ما حفرنا له ولا أوثقناه ولكن قام لنا } رواه أحمد ومسلم والمرأة كذلك نصره في المغني لأن أكثر الأحاديث على ترك الحفر وسواء ( ثبت ) الزنا ( ببينة أو إقرار ، وتشد ثياب المرأة لئلا تنكشف ) لحديث عمران بن حصين قال { فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فشدت عليها ثيابها } رواه أبو داود ( والسنة أن يدور الناس حول المرجوم من كل جانب كالدائرة إن كان ثبت ببينة ) لأنه لا حاجة إلى تمكينه من الهرب و ( لا ) يسن ذلك إن كان زناه ثبت ( بإقرار لاحتمال أن يهرب فيترك ) ولا يتمم عليه الحد .

( ويسن حضور من شهد بالزنا وبداءتهم ) أي الشهود ( بالرجم وإن كان ) الزنا ( ثبت بإقرار ) الزاني ( بدأ الإمام أو الحاكم إن كان ثبت عنده ثم يرجم الناس ) لما روى سعيد بإسناده عن علي : " الرجم رجمان فما كان منه بإقرار فأول من يرجم الإمام ثم الناس وما كان ببينة فأول من يرجم البينة ثم الناس " ولأن فعل ذلك أبعد لهم من التهمة في الكذب عليه ( ويجب حضور الإمام أو نائبه في كل حد ) لله أو لآدمي كما في استيفاء القصاص ( ومن أذن له ) الإمام ( في إقامة الحد فهو نائبه ) يكفي حضوره لقوله صلى الله عليه وسلم : { وامض يا أنيس إلى امرأة هذا فإن أقرت فارجمها } .

( ويجب حضور طائفة في حد الزنا ) لقوله تعالى { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } ( ولو واحدا ) وهو قول ابن عباس رواه ابن أبي طلحة قال في المبدع وهو منقطع ( مع من يقيم الحد ) لأن الذي يقيم الحد حاضر ضرورة فتعين صرف الأمر إلى غيره ( ومتى رجع المقر بحد الزنا أو ) حد ( سرقة أو ) حد ( شرب قبل الحد عن إقراره بأن يقول كذبت في إقراري أو ) يقول ( لم أفعل ما أقررت به أو ) يقول ( رجعت عن إقراري ونحوه ) فلم يصدر مني ما أقررت به ( قبل منه ) رجوعه ( وسقط عنه الحد ) لأن ماعزا لما هرب وقال لهم ردوني إلى النبي [ ص: 85 ] صلى الله عليه وسلم قال { فهلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه } قال ابن عبد البر ثبت من حديث أبي هريرة وغيره .

( وإن رجع ) عن إقراره ( في أثنائه ) أي الحد ( أو هرب ) المقر في أثناء الحد ( ترك وجوبا ) لما تقدم ولأن ذلك شبهة والحدود تدرأ بالشبهات ( وإن قال ) المقر ( ردوني إلى الحاكم وجب رده ) إليه لما سبق ( فإن تمم عليه الحد ضمن المتمم ) للحد ( الراجع ) عن إقراره ( بالدية ) لأنه قد زال إقراره بالرجوع عنه و ( لا ) يضمن ( الهارب ولا من طلب الرد إلى الحاكم ) فتمم عليه الحد لخبر ماعز وسبق ( ولا قود ) على المتمم للحد ولو على المصرح بالرجوع لأن القصاص كالحد يدرأ بالشبهة ( وإن رجم ) لثبوت الحد ( ببينة فهرب لم يترك ) لأن زناه ثبت على وجه لا يبطل برجوعه فلم يؤثر رجوعه ولا هربه .

التالي السابق


الخدمات العلمية