كشاف القناع عن متن الإقناع

البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

صفحة جزء
( فصل ومن اضطر إلى محرم مما ذكرنا حضرا أو سفرا سوى سم ونحوه ) مما يضر واضطراره ( بأن يخاف التلف إما من جوع أو يخاف إن ترك الأكل عجز عن المشي وانقطع عن الرفقة فيهلك أو يعجز عن الركوب فيهلك ولا يتقيد ذلك بزمن مخصوص ) لاختلاف الأشخاص في ذلك ( وجب [ ص: 196 ] عليه أن يأكل منه ) أي المحرم ( ما يسد رمقه ) بفتح الميم والقاف أي بقية روحه ( ويأمن معه الموت ) لقوله تعالى { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه } وقوله { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } ( وليس له ) أي المضطر ( الشبع ) من المحرم لأن الآية دلت على تحريم الميتة واستثنى ما اضطر إليه فإذا اندفعت الضرورة لم يحل الأكل كحالة الابتداء ( كما ) يحرم ما ( فوق الشبع ) إجماعا ذكره في الشرح المبدع ( وقال الموفق وتبعه جماعة إن كانت الضرورة مستمرة جاز الشبع وإن كانت ) الحاجة ( مرجوة الزوال فلا ) يشبع لعدم الحاجة ( وله ) أي المضطر ( أن يتزود منه ) أي المحرم ( إن خاف الحاجة ) إن لم يتزود لأنه لا ضرر في استصحابها ولا في إعدادها لدفع ضرورته وقضاء حاجته ولا يأكل منها إلا عند ضرورته ( فإن تزود فلقيه مضطر آخر لم يجز له بيعه ) منه لأنه ليس بمال كبيعه من غيره ( ويلزمه إعطاؤه ) منه ( بغير عوض إن لم يكن هو ) أي المتزود ( مضطرا في الحال إلى ما معه ) فلا يعطي غيره لأن الضرر لا يزال بالضرر ( ويجب ) على المضطر ( تقديم السؤال على أكله ) نص عليه وقال لسائل قم قائما ليكون له عذر عند الله قال القاضي : أثم إذا لم يسأل ونقل الأثرم : إن اضطر إلى المسألة فهي مباحة قيل : فإن توقف قال : ما أظن أحدا يموت من الجوع الله يأتيه برزقه ( وقال الشيخ : لا يجب ) تقديم السؤال ( ولا يأثم ) بعدمه ( وأنه ظاهر المذهب ) لظاهر نقل الأثرم ( وإن وجد ) المضطر ( من يطعمه ويسقيه لم يحل له الامتناع ) لأنه إلقاء بنفسه إلى الهلاك ( و ) لا ( العدول إلى الميتة ) لأنه غير مضطر إليها ( إلا أن يخاف أن يسمه فيه ) أي في الطعام ( أو يكون الطعام مما يضره ويخاف أن يهلكه أو يمرضه ) فيمتنع منه ويعدل إلى الميتة لاضطراره إليها .

( وإن وجد طعاما مع صاحبه وميتة وامتنع ) رب الطعام ( من بذله ) للمضطر ( أو بيعه منه ووجد ) المضطر ( ثمنه لم يجز له ) أي للمضطر ( مكابرته ) أي رب الطعام ( عليه وأخذه منه ) لعدم احتياجه إليه بالميتة . ( ويعدل ) المضطر ( إلى الميتة سواء كان ) المضطر ( ثوبا يخاف من مكابرته التلف أو لم يخف ) التلف . ( وإن بذله ) أي الطعام ربه ( له ) أي المضطر ( بثمن مثله وقدر ) المضطر ( على الثمن لم يحل له أكل الميتة ) لاستغنائه عنها بالمباح . ( وإن بذله ) أي الطعام ربه ( بزيادة لا تجحف أي لا تكثر لزمه شراؤه ) كالرقبة في الكفارة لنذره ذلك بخلاف [ ص: 197 ] ماء الوضوء . ( وإن كان المضطر عاجزا عن الثمن فهو في حكم العادم ) لما يشتريه فتحل له الميتة . ( وإن امتنع ) رب الطعام ( من بذله ) للمضطر ( إلا بأكثر من ثمن مثله فاشتراه المضطر بذلك ) كراهة أن يجري بينهما دم أو عجزا عن قتاله ( لم يلزمه ) أي المضطر ( أكثر من مثله ) لأنه وجب على ربه بذله بقيمته فلا يستحق أكثر منها فإن أحد أكثر رده وإلا سقط . ( وليس للمضطر في سفر المعصية كقاطع الطريق و ) القن ( الآبق الأكل من الميتة ونحوها ) من المحرمات . قوله تعالى { " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " } ( إلا أن يتوب ) من المعصية فيأكل من المحرم ، لأنه صار بالتوبة من أهل الرخصة .

التالي السابق


الخدمات العلمية