ب - الأمية المتفشية في الوطن العربي
إن الإقصاء المقصود لفئات عريضة تمثل السواد الأعظم لمجتمعات الدول العربية عن حلقة العلم والمعرفة، هـو التحدي الأكبر الذي يجب على تلك البلدان أن تخوض غماره، وأن تربح رهانه، «ولن يستطيع أي مجتمع أن يتقدم نسبيا إلا بمحو الأمية الهجائية تماما، وتخفيض الأمية الثقافية والتقنية إلى ما يزيد عن 20 في المائة من سكانه البالغين. هـذه هـي الحقائق والمتطلبات الصارمة لعالم القرن الحادي والعشرين»
>[1] فماذا أعددنا من برامج وخطط لسد هـذه الثلمة؟ إن داعي الواجب يستصرخ الدول العربية كي تبرهن عن أحقيتها بخطاب رب العزة لها من خلال خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام ، بصيغة إلزامية القراءة:
( اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ) (العلق:1-5) .
إذ على الرغم من الجهود المبذولة، والإنجازات الكيفية والكمية، فإن الشوط مازال بطيئا في تحقيق التنمية الشاملة، نظرا لتفشي وباء الأمية، وعجز
[ ص: 161 ] الأقطار العربية عن توفير التعليم النظامي لكل أبنائها في المدن؛ فضلا عن القرى والمداشر، ناهيك عن تدني نسبة المتنقلين إلى مراحل تعليمية عليا، حيث إن أغلب متعلمي الفئات الشعبية، لا تكاد تتجاوز مرحلة التعليم الأساسي، الأمر الذي يجعلها في أثناء انقطاعها عن التعليم تعود إلى الأمية. أما عن وضعية الفتاة في البوادي، فإن الجرح أبلغ، والكارثة أعظم من أن يحاط بها في ظل تباشير الزمن العربي الرديء. إن استمرارنا في شرب محلول الهزائم؛ كما يشرب الدواء المر، ليس له من علاج سوى فك أعناق أبناء العربية من السلاسل الثقيلة التي قيدتنا به الأمية بكافة أنواعها: ( الهجائية والوظيفية والتقنية...) إذ ليس من شك في أن الأمية هـي التي ينمو فيها وكر العاميات المصرة على محاربة الفصحى التي تتمسك بالقواعد؛ لأن الأمي ينفر من النظام، ولذلك لا يعترف بتغيرات لفظة: «الأب» حسب موقعها في الجملة، حيث يقول ملزما اللفظة حالة واحدة: جابوك؛ شفت بوك؛ دزت على بوك؛ بخلاف العربي الفصيح الذي لايستسيغ ما يقوله الأمي فيقول على التوالي: جاء أبوك؛ رأيت أباك؛ مررت بأبيك. البلسم الشافي إذن لمثل هـذه الوضعيات هـو الرهان على التربية والتعليم، والتمكين للعربية الفصحى في جميع مرافق الحياة، والتكوين المستمر، وإعادة التكوين، وإصلاح البرامج، وتشجيع البحث، وإلزام وسائل الإعلام بالقيام بوظائفها تجاه اللغة والمعرفة، وبذلك وحده- لا بانتظار مساعدات الأجنبي الذي جاءنا ناشرا أذنيه، وجاعلا دماءنا تحت قدميه؛ لأنه وجد ظلفه في خيراتنا المادية والمعنوية- نسير سيرا مباركا يشفي الصدور، ويشبع النهم، ويحقق المرتجى.
[ ص: 162 ]