منهجه وخصائصه في التأليف
إن كتب
عمر فروخ ، رحمه الله، كثيرة العدد. منها ما هـو في عشرات الصفحات، ومنها ما هـو في مجلد كبير، ومنها ما هـو في مجلدات. وموضوعات هـذه الكتب مختلفة، وربما عالج الموضوعات المختلفة في كتاب واحد.
ومما يحمد لعمر فروخ، رحمه الله، في خطة التأليف، أنه يثبت في مطلع كل كتاب له غايته من تأليف ذلك الكتاب، ثم هـو يمضي بعد ذلك في الكتابة ويحاول أن يجمع ما يؤيد اتجاهه.
وإن المؤلف الحق -كما يقول- هـو الذي يعتقد أن كتابه قطعة من نفسه، ودليل أمانته، وعماد مكانته، لا إعلان عن بضاعة، ولا تكسب بصناعة.
>[1] .
وينقل عن
الخوارزمي أن التأليف ثلاثة أنواع: ابتكار شيء لم يسبق أحد إليه، ثم توضيح شيء كان من قبل غامضا، ثم تصحيح شيء كان من قبل خطأ. وعلى من يؤلف الكتب، مبتكرا أو موضحا أو مصححا، أن يكون متواضعا؛ لأن العلم ليس له ولا لنفر آخرين، بل للإنسانية، ويكفي المؤلف المخلص ثلاثة أوجه من وجوه السعادة: سروره الشخصي، وأجره عند الله، والذكر الحسن في الناس.
>[2] [ ص: 40 ]
وقد أثبت
عمر فروخ ، رحمه الله، نص كلام
الخوارزمي من كتابه (الجبر والمقابلة) : «ولم تزل العلماء في الأزمنة الخالية والأمم الماضية يكتبون الكتب بما يصنفون من صنوف العلم ووجوه الحكمة، نظرا لمن بعدهم واحتسابا للأجر بقدر الطاقة، ورجاء أن يلحقهم من أجر ذلك وذخره وذكره. وأن يبقى لهم من لسان الصدق ما يصغر في جنبه كثير مما كانوا يتكلفونه من المئونة، ويحملونه على أنفسهم من المشقة في كشف أسرار العلم وغامضه؛ وهم: إما رجل سبق إلى ما لم يكن مستخرجا قبله فورثه من بعده، وإما رجل شرح مما أبقى الأولون ما كان مستغلقا فأوضح طريقه وسهل مسلكه وقرب مأخذه، وإما رجل وجد في بعض الكتب خللا فلم شعثه وأقام أوده وأحسن الظن بصاحبه غير راد عليه، ولا مفتحر بذلك في فعل نفسه»
>[3] .
وذكر عمر، رحمه الله، أن
ابن حزم قد أخذ هـذه الأقسام فجعلها سبعة:
«وإنما ذكرنا التآليف المستحقة للذكر، والتي تدخل تحت الأقسام السبعة التي لا يؤلف عاقل عالـم إلا في أحـدها، وهي: إما شيء يخترعه لم يسبق إليه؛ أو شيء ناقص يتمه؛ أو شيء مستغلق يشرحه؛ أو شيء طويل يختصره دون أن يخل بشيء من معانيه؛ أو شيء متفرق يجمعه؛ أو شيء مختلط يرتبه؛ أو شيء أخطأ فيه صاحبه يصلحه.»
>[4] .
[ ص: 41 ]
ومن ينظر في كتبه يلفها لا تخرج عن هـذه الأنواع، ويجد أن وجوه السعادة قد واتته، ويجد شواهد إلى أن له قراءات واسعة في مختلف الفنون.
ويرى
عمر ، رحمه الله، أن التأليف في فن من فنون المعرفة يحتاج إلى الإحاطة بعدد من فنون المعرفة الأخرى على كثرة أو قلة، وإن لم يستخدم المؤلف هـذه المعارف الأخرى استخداما مباشرا في الفن الذي يؤلف فيه؛ ذلك لأن الإحاطة بفنون كثيرة توسع أفق المؤلف، وتجعل كتبه أكثر صحة ودقة ونفعا.
>[5]
ويثبت أن الكتب لا تخلو من هـنات وهفوات وأخطاء ونقص، وأن الوصول إلى الكمال مستحيل، ولو أن مؤلفا أراد ألا يخرج كتابه إلى الناس إلا بعد أن يخلو من كل نقص وخطأ وهفوة وهنة لما خرج إلى الناس كتاب قط.
>[6]
ويشدد على أن المادة يجب أن تكون وافية صحيحة دقيقة، وعلى أن يكون الأسلوب أيضا سليما واضحا موافقا لمادة التأليف وللغاية من التأليف. وبما أن الأسلوب هـو أداة التعبير عن المادة الفكرية، فيجب أن يدرك المؤلف أن الوضوح في التفكير يؤدي إلى الوضوح في التعبير،
>[7] وهذا يلمسه من يقرأ كتب
عمر فروخ ، رحمه الله، فهو واضح يحب الوضوح، وصارم فيها، كما هـو في سلوكه.
[ ص: 42 ] - التكرار في كتبه
إن من يمعن النظر في المكثرين من التأليف في القديم والحديث، يرى أنهم كثيرا ما يتناولون الموضوع الواحد في كتب متعددة، ذلك لأن طبيعة بعض التآليف تقتضي أن يرجع إلى الموضوع الواحد مرة بعد مرة، غير أن الأسلوب والعرض يختلفان بين موضع وموضع، فهما تكرار في المعنى لا في اللفظ.
وعمر فروخ، رحمه الله، من هـؤلاء المكثرين في التصنيف، إذ له نحو مائة مؤلف، فلا غرو أن تجد الموضوع الواحد مطروقا في أكثر من كتاب. والمطالع في ثنايا هـذا الكتاب الذي بين يديه، يجد شواهد لذلك.
ويذكر أن بعض كتبه كان وليد الحاجة الملحة الناشئة عن ضرورات المكان والزمان، وإلا لما كان ثمة ضرورة لتكرار مادة واحدة في صور متقاربة
>[8] .
-استشارته وتثبته وعرضه كتبه على أهل العلم
الاستشارة والتثبت هـي شيمة العلماء، وهي طريق إلى الإحاطة والدقة في الموضوع المطروق، وقد نهج
عمر فروخ ، رحمه الله، هـذا النهج في بعض كتبه، كالذي تراه في كتابه (الأسرة في الشرع الإسلامي) إذ رجع فيه إلى بعض الأعلام في هـذا الباب ممن يعرفهم، فقرأوا قسما من الكتاب، وأبدوا على ما قرأوا ملاحظات
>[9] .
[ ص: 43 ]
وكالذي تراه في كتابه (تاريخ الأدب العربي) إذ قال: «ثم إن دار العلم للملايين عهدت، مشكورة، إلى الأستاذ زهير فتح الله
>[10] ، وهو لي تلميذ قديم، ثم كان منذ ذلك الحين صديقا أيضا، بمعاونتي في التصحيح، ورأى الأستاذ زهير فتح الله ألا يقصر واجبه على تصحيح الأخطاء المطبعية، بل حرص أيضا على أن ينفي من هـذا الكتاب ما أمكن من الهنات. ولقد اقترح عددا من القراءات في عدد من الأحيان، ثم عددا من تفسير الأبيات أحيانا مما كان له وجه. ولقد ركزت بصري في كل ما اقترح، ثم قبلت أشـياء مما كان قد اقترحه، فله على جهوده كلها شكري الجزيل»
>[11] .