عاشرا: الارتقاء بمؤسسات التعليم:
الارتقاء بمؤسسات التعليم إلى درجة تغذية المجتمع بالكفاءات الضرورية للتنمية الشاملة من الواجبات الكفائية، التي يجب التصدي لها؛ وهذا يتطلب أمرين:
1- المراجعة لسياسات التعليم:
وذلك من خلال:
أ- تحديد القدرات العقلية والذهنية العالية المستوى في المراحل المبكرة من العمر (الروضة، والابتدائية، والمتوسطة...) .
ب- الاعتناء بنمو وترقية هـذه القابليات العقلية.
ج- تطوير برامج التعليم العالي والبحث العلمي لهذه الفئة من النشء، بما يكافل حل مشكلات الأمة.
[ ص: 136 ] د- توفير بيئة العمل المناسبة، حتى لا يفكر أصحاب القابليات والإمكانات العقلية في الهجرة وتحرم بذلك الأمة من عطائهم.
ه- محاولة استيعاب هـذه العناصر المتميزة في الوظائف الدستورية والقيادية للبلاد، بعيدا عن الولاءات الشخصية والحزبية.
2- الاهتمام والتخطيط للبحث العلمي:
الارتقاء بالبحث العلمي من أهم الضرورات المجتمعية، حيث إن تقدم المجتمعات ورقيها في هـذا العصر منوط بمستوى البحث العلمي إلى حد بعيد، لذلك لابد أن يكون البحث العلمي واقعيا في دراسته للمشكلات التي تعاني منها الأمة، واقتراح البدائل للخروج بها من أزمتها، وهذا أمر مخالف للوضع المرير في عالمنا الإسلامي، الذي لاينال قطاع البحث العلمي فيه رعاية مناسبة، حيث إن نسبة الأموال المخصصة، في العالم العربي، للبحث والتطوير لا تشكل إلا 0.05% من مجموع الناتج القومي، في حين أن مجموعة الاتحاد الأوربي تصرف3% من مجموع دخلها القومي على البحث والتطوير، فالفرق شاسع، وهو مؤشر مهم على موقع ودور كل طرف في صناعة الحاضر والمستقبل وتحقيق الشهود الحضاري.
والأمر الآخر، وهو مما يؤرقني كثيرا، أن كثيرا من الجهود البحثية، في عالمنا الإسلامي، توجه نحو دراسة التراث، ولكن بصورة جامدة لا صلة لها بواقع حياتنا، وهذا ما نراه في الدراسات
[ ص: 137 ] الاجتماعية بشكل خاص.. وعلى الرغم من اعتزازنا بالتراث الإسلامي، وهو مفخرة لنا، إلا أن المطلوب قراءته بصورة تضيء لنا طريق السير قدما، لا أن نعيش في زمن قد مضى.
ومشكلة أخرى، هـي أن الدراسات البحثية في كثير من الأحيان يقوم بها في عالمنا الإسلامي، من لا يحسن صناعة البحث، أو بعبارة أخرى من لا يملك قدرات بحثية وإبداعية تمكنه من تحليل الجهود والدراسات السابقة وهضمها ثم الإتيان بما هـو جديد ومفيد، يشكل إضافة للمعرفة، بل كثير ممن يقوم بعمليات البحث قد وجد سبيله إلى ساحات التعليم العالي من خلال منافذ الفساد المستشري في بلداننا، أو أصبحوا أساتذة جامعيين وهم لا يصلحون للتدريس في الثانوية، وهذا لا أقوله مبالغة، فما يقوم به بعض هـؤلاء ليس أكثر من عملية سرقة للمعلومات ونقلها من مكان إلى آخر، ثم تسميتها من بعد ذلك بحثا علميا، وهم لا يقدمون بذلك شيئا بخصوص ضرورة تكوين «مجتمع المعرفة»، بحيث تكون المعرفة أساسا لتنظيم المجتمع وتعاملاته.
ومن هـنا أقول: إن العمل للخروج من هـذه الحالة المأساوية في مجال البحث والعلم والمعرفة واجب كفائي ، ولا بد من السعي الجاد لإصلاح حال هـذا القطاع المهم في الحياة البشرية.
[ ص: 138 ] وفي هـذا الإطار، يجب على الدول الإسلامية أن تسعى إلى زيادة تدريجية في نسبة الأموال المخصصة للبحث والتطوير، من المستوى الحالي ( حوالي 0.05% إجمالي الناتج المحلي) إلى 1% ثم 1.5% ثم 2% في فترة زمنية لا تكون طويلة، مع حسن استخدام هـذه الأموال المخصصة، بعيدا عن الفساد والمحاباة، واستخدام العقليات القادرة على عمليات البحث والتطوير، حيث إن أمن هـذه الدول وتطورها لن يتحقق بدون تملكها للعلم الحديث، الذي يقوي قدرتها على مواجهة المنظومة العلمية الجديدة، التي تتحكم في أحدث التقانات وأنجع التنظيمات
>[1] .
وإذا كان النبي ( قد استعاذ من العلم الذي لا ينفع؛ فإن من العلم الذي لا ينفع في زماننا هـذا أن نخرج أبناء الأمة من كليات تسمى بأسماء كبيرة دون أن يكون لكثير منهم إسهام فاعل في حل مشكلات الأمة.
ونخلص من ذلك إلى أن الأمة اليوم أمام تحد معرفي وتكنولوجي كبير، وأن شحذ الإمكانات والقدرات لأجل التنمية الشاملة، إعدادا وتدريبا وتعليما، هـو الوسيلة الأساس للخروج من واقعنا الأليم، وأنه علينا أن نسعى إلى تكوين «مجتمع المعرفة» الذي يقوم أساسا على
[ ص: 139 ] نشر المعرفة وإنتاجها وتوظيفها بكفاءة في جميع مجالات النشاط المجتمعي، الاقتصاد، والمجتمع المدني ، والسياسة، والحياة الخاصة، وصولا إلى الارتقاء بالحالة الإنسانية باطراد، أي إقامة التنمية الإنسانية، حيث أصبحت المعرفة، بصورة متزايدة، محركا قويا للتحولات الاقتصادية والاجتماعية.. وثمة رابطة قوية بين اكتساب المعرفة والقدرة الإنتاجية للمجتمع
>[2] .
ونقطة البدء في الاهتمام بالمعرفة هـي تنامي الاعتقاد بأن الأصول المعرفية للمجتمع (المعرفة والخبرة) - وليس الأصول المادية أو المالية- هـي المحددات الجوهرية للإنتاجية التنافسية ومن ثم التقدم في عالم اليوم والغد.
ويبقى أن حظ المجتمع من اكتساب المعرفة ومدى توظيفها في خدمة التنمية الإنسانية، رهن بالبنى المجتمعية القائمة، الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، كما هـو رهن بقيام العديد من المؤسسات المجتمعية وبفعاليتها،
>[3] مما يقتضي ضرورة إيجاد الحكم الصالح، الذي يكون قوة محركة لقدرات الأمة وطاقاتها، والعقل المدبر للاستفادة المثلى من هـذه الطاقات بعد تنميتها والاعتناء بها.
[ ص: 140 ]