المبحث الثاني: خصائص مهارات التربية الإسلامية
تمتاز مهارات التربية الإسلامية بكثير من الخصائص التي تساعد على الرقي بالمتعلم إلى أرقى المستويات. فإذا كان الهدف الأسمى للتربية الإسلامية: «تحقيق العبودية لله في حياة الإنسان الفردية والاجتماعية»
>[1] ؛ فإن تحقيق هـذه الغاية يستوجب من الفرد معرفة الوسائل التي تساعده على أدائها على أتم وجه. وإذا كانت التربية الإسلامية ضمن تاريخها الطويل قد عملت على إعداد أفرادها؛ ليصلوا إلى أرقى المستويات؛ فإنما كان ذلك لأنها تتصف بخصائص قويمة، لعل من أهمها:
1- مهارات التربية الإسلامية تمثل أصلا لمهارات فرعية كثيرة
من خصائص مهارات التربية الإسلامية أنها تمثل أصلا لمهارات فرعية كثيرة يحتاجها المتعلم. ذلك أن التربية الإسلامية ترتبط بجميع الميادين التي تهم الفرد في دنياه وفي آخرته،
كما يقول الحق تبارك وتعالى:
( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا ) (القصص:77) .
فالتربية الإسلامية لم تحصر العبد في جانب العبادة وحدها وبعيش من أجل الآخرة فقط، ولم تجعله ينصرف بكليته إلى دنياه ويترك الهدف الأسمى من
[ ص: 41 ] وجوده، وهو العمل لأجل الآخرة،
كما يقول الله تبارك وتعالى:
( والآخرة خير وأبقى ) (الأعلى:17) ،
ولكنها وازنت بين الدنيا والآخرة. وهو الأمر الذي نقول معه: إن ميدان التربية الإسلامية ميدان واسع لا ينحصر عند حدود معينة. ولهذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان يبعث أحدا من صحابته لتعليم الناس أو دعوتهم كان يرشده إلى الأسلوب الأمثل، الذي يسهل للمتعلم تعلم الشيء بمهارة عالية وإتقان؛ فلا ينتقل إلى موضوع حتى يتأكد أن المتعلم أتقن الموضوع الذي قبله، كما جاء عنه عندما وجه
معاذا إلى
اليمن ( فقال صلى الله عليه وسلم : «إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هـم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هـم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم، فإن هـم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ) .
>[2]
إن المتعلم عندما يدرك أي مهارة من مهارات التربية الإسلامية، فإن هـذه المهارة تساعده على إدراك فروعها في شتى الميادين والموضوعات التي تتضمنها التربية الإسلامية. فإذا تمكن المتعلم من مهارة عقلية مثلا، كمهارة التأمل، أو النقد، أو المقارنة... الخ، فإن هـذه المهارة قابلة للتفرع إلى
[ ص: 42 ] مهارات فرعية كثيرة.. وهذه المهارة، يمكن أن تتحقق للمتعلم من خلال تلاوة الآيات القرآنية، كما يمكن أن تتحقق من خلال تفسير الآيات، والتجويد، ومن خلال دراسته لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن خلال دراسة الفقه... وهكذا. ففي مجال التطبيق يستطيع المتعلم أن يتمكن من مهارات كثيرة جدا في جميع فروع التربية الإسلامية.. وما يقال عن المهارات العقلية، يقال أيضا عن جميع مهارات التربية الإسلامية الأخرى.
إن التربية الإسلامية عندما اختصت بأن مهاراتها قابلة للتفرع؛ وإن المتعلم يستطيع أن يلم بمهارات كثيرة من خلال معرفته لمهارة واحدة؛ فإن ذلك لم يكن فقط نتيجة اتساع مجالاتها، وتعدد ميادينها فحسب، وإنما أيضا لأن هـذه التربية -التربية الإسلامية- هـي تربية صالحة لكل زمان ومكان؛ فالتربية الإسلامية التي كانت قبل أربعة عشر قرنا من الزمان هـي التربية الإسلامية اليوم، وهذا ما يشير إليه الحق تبارك وتعالى في كتابه الكريم؛
حيث يقول:
( إن الدين عند الله الإسلام ) (آل عمران:19)
ويقول:
( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ) (آل عمران:85) .
فالإسلام الذي كان قبل أربعة عشر قرنا من الزمان، هـو نفسه الإسلام اليوم، وسيبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. وما كان يسير عليه المتعلمون من مهارات في عصور الإسلام الأولى هـو أساس وأصل لما يحتاجه المسلم اليوم من مهارات كثيرة لا يستطيع الاستغناء عنها.
[ ص: 43 ] 2- مهارات التربية الإسلامية مهارات شاملة
على الرغم من أن المتعلم إذا أدى أي مهارة من مهارات التربية الإسلامية، فإنما يؤديها ضمن نمط معـين من أنماط المهارات، إلا أن ذلك لا يعني أن المتعلم لا يجب أن يكون ماهرا في الجوانب الأخرى. فالأداء التربوي الذي يؤديه المتعلم في أي جانب من الجوانب التربوية لا بد أن يكون منسجما مع الجوانب الأخرى، ومترابطا؛ حتى وإن ظهر مركزا على جانب واحد؛ لأن المهارة تتكون عادة «من خليط من الاستجابات العقلية والاجتماعية، والحركية أو الجسمانية. فمهارة مثل إلقاء خطبة حماسية، تبدو فيها المكونات الثلاثة بوضوح»
>[3] .
ومن هـذا المنطلق فإن مهارات التربية الإسلامية تساعد المتعلم على أن يتعلم بصورة شاملة، وأن يتقدم في تعلمه بشكل مستمر؛ وذلك إيمانا منها بأنه إذا لم يتعلم بصورة شاملة؛ فإن تعلمه يعد ناقصا، وغير مستوف لشروط الصحة؛ وبالتالي فإن المتعلم لا يفيد منه. فالتربية الإسلامية لا تقبل من المتعلم علما لا يؤدي إلى نتيجة صحيحة، وعمل سليم. وإذا كان من آكد أركان الإسلام الصلاة؛ فإن المتعلم -عند تعلمه لها- لا بد أن يتعلمها بمهارة عالية؛ حتى يتمكن من أدائها بشكل سليم. وهذا ما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينتقد ذلك الرجل الذي لم يؤد الصلاة بشكل سليم، وفق أركانها،
[ ص: 44 ] وواجباتها، وسننها المشروعة، وحثه على أن يعيد صلاته. فعن
أبي هـريرة رضي الله عنه أنه قال:
( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل فصلى، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فرد وقال: ارجع فصل فإنك لم تصل، فرجع يصلي كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ارجع فصل فإنك لم تصل، ثلاثا.. فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره، فعلمني.. فقال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، وافعل ذلك في صلاتك كلها ) >[4] .
إن إتقان المتعلم لمهارة أداء الصلاة بشكل سليم هـي في الغالب مهارة عملية، ولكنها في الوقت ذاته تحتاج من المتعلم أن يلم بالصلاة بشكل تام : بحيث أن يكون فيها ملما بما يتلوه من قرآن، ويتلوه من ذكر على الصفة المشروعة، وهذا بمثابة الإلمام بالمهارات العقلية، وفي الوقت ذاته فإنه يجب أن يلم بالصلاة كمظهر اجتماعي عظيم، وأن الإسلام أوجب صلاة الجماعة، ورتب لها الكيفية اللازمة التي تصح عندها.
وما يقال عن الصلاة يقال أيضا عن كل أداء يتعلمه المتعلم في إطار التربية الإسلامية.. وليس فقط المهارات العملية هـي التي تتسم وينطلق منها
[ ص: 45 ] الشمول لبقية أنواع المهارات، بل حتى المهارات العقلية، على الرغم من أنها تختص بجانب الفكر، أو الجانب النظري، إلا أنها تستلزم الشمول أيضا. فمهارة الكتابة، على سبيل المثال، باعتبارها إحدى مهارات التربية الإسلامية الأساسية، التي يغلب عليها الجانب العقلي، تستلزم التطبيق والعمل، أي أنها تتسم بصفة الشمول.
ولعل مما يؤكد خاصية الشمول لمهارات التربية الإسلامية، أن المهارات قد تشترك أحيانا مع بعضها، وتؤدي إلى تحقيق غايات واحدة. يقول
الإمام الماوردي : «وأما الصناعة المشتركة بين الفكر والعمل، فقد تنقسم على قسمين: أحدهما: أن تكون صناعة الفكر أغلب، والعمل تبعا كالكتابة. والثاني: أن تكون صناعة العمل أغلب والفكر تبعا... وأعلاها رتبة كانت صناعة الفكر أغلب عليها، والعمل تبعا لها»
>[5] .
3- مهارات التربية الإسلامية تقود إلى الاستمرار
إن من أعظم ما تختص به التربية الإسلامية أنها تربية مستمرة؛ انطلاقا من قول الحق تبارك وتعالى:
( وقل رب زدني علما ) (طه:114) ,
ويقول الله عز وجل :
( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) (الإسراء:85) ،
ويقول الله تعالى :
( وفوق كل ذي علم عليم ) (يوسف:76) ،
[ ص: 46 ]
وكما جاء في الحديث
( عن أبي هـريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن خير العمل أدومه وإن قل ) >[6] .
ومن هـذا المنطلق؛ فإن مهارات التربية الإسلامية تقود المتعلم إلى الاستمرار والترقي؛ الأمر الذي يحقق له النمو المتواصل فيما يتعلمه من خلال التربية الإسلامية. وتتضح خاصية الاستمرار في مهارات التربية الإسلامية في أن كل مهارة يؤديها المتعلم تمكنه من أن يؤدي المهارة الأعلى منها بشكل مستمر، وفي نمو متواصل. وإذا أردنا أن نعرف ذلك من خلال مثال تطبيقي: فالمتعلم عند أدائه لمهارات دراسة القرآن الكريم، فإن مهارة تطبيق أحكام التجويد تتطلب مهارات سابقة لا بد أن يلم بها المتعلم بإتقان. فقبل أن يكون ماهرا في التجويد -عموما- لا بد أن يكون قد تمهر في التلاوة الصحيحة من غير لحن أو أخطاء، ولا بد أنه عرف آداب التلاوة، وكيفية القراءة وأتقنها بشكل سليم... وهكذا. فالمقصود أن المهارة ذات المستوى الأعلى لا يتم إتقانها إلا بعد أن يتم إتقان المهارات التي تسبقها. كما أن كل مهارة من مهارات التجويد تقود إلى المهارة الأعلى منها، وإذا أتقن المتعلم مهارات تجويد القرآن بمستوى عال فإنه وقتئذ يكون قادرا على أداء مهارات أعلى.
فالقاعدة في الاستمرار والتقدم في مستوى المتعلم في التربية الإسلامية: أداء المتعلم للمهارات بشكل جيد، وعلى نحو مستمر. ومما يدلل على ذلك أن التعليم إذا لم يهتم بالمهارات وينميها لدى المتعلم منذ وقت مبكر فإنه
[ ص: 47 ] يضحى، بعد مرور الوقت، عند مستوى معين لا يستطيع تجاوزه، وليس بمقدوره أن يتجاوزه، نتيجة أن هـناك مهارات كثيرة يفتقدها. فقد نجد متعلما في مستوى التعليم الثانوي، على سبيل المثال، لا يحسن تلاوة القرآن الكريم، مثلا. فعلى الرغم من أن المتعـلم قد تجاوز مراحل التعليم السابقة، إلا أن تجاوزه هـذا يعد شكليا فيما يختص بمهارة تلاوة القرآن الكريم وتجويده، ويظل أمام هـذا المتعلم حقيقة واحدة دون غيرها، وهي أنه لن يتعلم القرآن الكريم بشكل جيد ما لم يتقن مهاراته وفق تدرجها السليم. وهذا ما يشير إليه أحد العلماء عندما قال: «إن للعلوم أوائل تؤدي إلى أواخرها، ومداخل تفضي إلى حقائقها، فليبتدئ طالب العلم بأوائلها، لينتهي إلى أواخرها، وبمداخلها ليفضي إلى حقائقها، ولا يطلب الآخر قبل الأول ولا الحقيقة قبل المدخل، فلا يدرك الآخر، ولا يعرف الحقيقة؛ لأن البناء على غير أس لا يبنى، والثمر من غير غرض لا يجنى»
>[7] .
4- مهارات التربية الإسلامية تقود إلى الاستقلالية والاعتماد على الذات
تسعى التربية الإسلامية إلى الرقي بالمتعلم؛ ليكون قادرا على أن يتعلم بنفسه. فهي لا تعمل على أن تكون حصيلته العلمية نتيجة علم جاهز يقدم له، فإذا تم له انقطعت صلته بالعلم؛ وإنما سعت إلى أن يكون المتعلم سباقا في طلب العلم والمعرفة، تواقا إليها، ماهرا في البحث عنها والوصول إليها. ومن
[ ص: 48 ] هذا المنطلق فقد دأبت التربية الإسلامية على حث المتعلم إلى القدرات العليا، والمهارات الدقيقة؛ ليكون فيما بعد قادرا على النهوض بذاته، معتمدا على نفسه بعد الله. وفي سياق هـذا الأمر نجد التوجيه القرآني يحث
إبراهيم عليه السلام ، عندما أراد أن يتعلم، إلى التجربة والممارسة؛ ليتعلم بنفسه،
يقول الله تعالى:
( وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم ) (البقرة:260) .
ففي هـذه الآية الكريمة توجيه إلى مهارة الممارسة والتجربة؛ ليتعـلم المتعـلم عن كثب ويحصل له ما يريده من علم.
إن المتعلم الجـاد، الـذي يرغب في الحصـول على ما يريده من علم، ويستـقيم على ما يراه نافعا له، وبالتـالي يتمكن من أن يعتمـد على نفسه، لا بد له في جميع الأحوال أن يهتم بتنمية مهارات التربية الإسـلامية لديه بمختلف أنماطها وأنواعها. ذلك أن هـذه المهارات تساعده على أن يكون مستقلا بفكره؛ قادرا على أن يطور من قدراته، مبتعدا عن التقـليد والمحاكاة؛ لا سيما وقد نـهى الإسلام عن أن يكون المسلم إمعة،كما جاء
( عن حذيفة ، رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تكونوا إمعـة تقولون: إن أحسـن الناس أحـسنا وإن ظلموا [ ص: 49 ] ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا ) >[8] .
وتساعد مهارات التربية الإسلامية المتعلم على أن يفيد من كافة المصادر التي يحتاجها على نحو متدرج، مستخدما في ذلك كله المهارة العالية؛ ذلك أن مهارات التربية الإسلامية تقوده إلى أن يعتمد على نفسه عن طريق تفكيره الخاص، وقدراته الذاتية، وهذا ما يتضح من التفكير المستقل الذي يتميز به صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما جاء في شأن
معاذ ، رضي الله عنه ، عندما بعثه المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى
اليمن , حيث قال له صلى الله عليه وسلم : «كيف تقضي؟ فقال: أقضي بما في كتاب الله.. قال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. قال: أجتهد رأيي.. قال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم »
>[9] .
ومن هـنا يمكن القول: إن التربية الإسلامية من خلال ما تنميه لدى المتعلم من مهارات، قد سبقت في تأكيد مبدأ استقلالية المتعلم، وسعت إلى تنمية شخصية المتعلم بشكل سليم؛ واهتمت بالمتعلم اهتماما بالغا، إيمانا منها بأن الدور الأهم يقع على عاتق المتعلم، وشجعته على أن يبادر بنفسه، وأن يتعلم مما حوله من خلال ما يمتلكه من مهارات مختلفة.
[ ص: 50 ] 5- مهارات التربية الإسلامية تستجيب لخصائص العصر
إذا كان قد تبين معنا مما سبق أن مهارات التربية الإسلامية أصل لكثير من المهارات، وأنها قابلة للتفرع إلى عدة مهارات مختلفة، وتبين أيضا أنها تؤدي إلى الرقي بالمتعلم، والنهوض به، وتساعده على أن تكون العملية التعليمية لديه عملية مستمرة؛ فإن كل ذلك موجب للقول: إن هـذه المهارات تتصف بالحيوية، والتجديد، والصلاحية للزمان والمكان.
فالعصر الحاضر بما يتجدد من خلاله من متغيرات، وما يحدث فيه من أحداث، وما يستجد فيه من قضايا، هـو واقع لا يمكن الهروب منه، وحقيقة لا يمكن إنكارها. فالمسلم لا بد أن يعيش بأصالة الماضي ورسوخه وقوته وثباته، في عالم الحاضر، بتجدده ونموه وتطوراته. ولا بد أن يتعلم كيف يحافظ على الأصيل، ويتعامل مع الجديد، وأن يعرف كيف يكون «تثبيت الأصل الذي يقوم عليه شعور المسلم وتصوره فتقوم عليه الحياة الإسلامية والمجتمع الإسلامي في استقرار وثبات، مع إطلاق الحرية للنمو الطبيعي في الأفكار والمشاعر، وفي الأنظمة والأوضاع»
>[10] .
ولا ريب أن المتعلم الذي يمتلك مهارات التربية الإسلامية يستطيع أن يعالج مشكلات عصره، وأن يتعامل معها بيسر وسهولة وبقدر ما يمتلك من
[ ص: 51 ] المهارات بقدر ما يجد فسحة من أمره في سبيل التعامل مع كل ما يدور حولـه. ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه المهارات العالية في سبيل مواجهة ما يحدث من قضايا، ومعالجتها معالجة شافية؛ انطلاقا من أن تلك الأحداث شيء طبعي، قد تحدث لأي أمة، وفي أي مجتمع من المجتمعات. أخرج
الإمام أحمد ، رحمه الله،
( عن أبي أمامة ، رضي الله عنه ، قال: «إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ائذن لي بالزنا.. فأقبل القوم عليه فزجروه، قالوا: مه مه. فقال: ادنه.. فدنا منه قريبا، قال: فجلس.. قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك.. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم.. قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله، يا رسول الله، جعلني الله فداءك.. قال: ولا الناس يحبونه لبناتـهم.. قال: أفتحـبه لأختـك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك.. قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم.. قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك.. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم.. قال: أفتحبه لخالتـك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك.. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم.. قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه.. فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء ) .
>[11]
إن مهارات التربية الإسلامية تساعد المتعلم على مواجهة ما يستجد حولـه، ثم تبني الموقف السليم حياله، وكل ذلك لا يحدث إلا من خلال مهارات يتعلمها ويعمل بها، فالهدف من مهارات التربية الإسلامية: «إبراز
[ ص: 52 ] الجوهر النقي في الإسلام، وعرضه في صورته الصحيحة. فالإسلام لم يكن ولن يكون ضد العلم أو حركة التقدم لخير الإنسان، ولكنه ضد الرذيلة وسوء الفعال في أي زمان ومكان»
>[12] .
6- مهارات التربية الإسلامية تساعد على رفع كفاءة التعليم
تهتم المجتمعات قاطبة في عالمنا المعاصر بأنظمتها التعليمية على اعتبار أن التعليم هـو أهم مقومات نهوض هـذه المجتمعات وتقدمها. ولا ريب أن نجاح التعليم وتقدمه يساعد على تقدم المجتمع وتطوره وازدهاره. وحتى تتأكد المجتمعات من نجاح التعليم لديها، فإنـها تعتمد على قياس أنظمة التعليم. ولا شك أن التعليم عبارة عن نظام فرعي من نظام المجتمع ككل، وهذا النظام يندرج تحته أنظمة فرعية كثيرة، وكفاءة التعليم يمكن معرفتها من خلال معرفة مدى قدرة التعليم على تحقيق أكبر قدر من المخرجات النوعية في ضوء أبسط وأقل عدد من المدخلات. فكلما كانت المدخلات بسيطة ومتواضعة، والمخرجات عالية، ليس في الكم فقط ولكن في الكم والنوع، دل ذلك على أن التعليم ذو كفاءة عالية.
ومن أهم ما يساعد التعليم على أن يتميز بكفاءة عالية هـو أن ما يندرج تحته من أنظمـة فرعية يجب أن تسـاعد على ترشـيد الوقت والجهد
[ ص: 53 ] والمال. ونظرا لأن مهارات التربية الإسـلامية من معاييرها أن تؤدى بإتقـان -كما سبق إيضاح ذلك من خلال الحديث عن مفهوم المهارة- وأن هـذه المهارات يؤديها المتعلم بيسر ودقة وسهولة، فإن هـذا كله يعني أن المهارة في أساسها تساعد بشكل فعال على اقتصاد الوقت والجهد والمال.
ومما لا يدع مجالا لريب أو شك أن التعليم عندما يتبنى تعليم مهارات التربية الإسلامية، سواء من خلال خططه أو برامجه، أو من خلال مناهجه، أو من خلال إمكانياته المادية والبشرية، فإنه يساهم مساهمة فعالة في التقليل من كثير من جوانب الهدر التي قد يتعرض لها. لقد حث القرآن الكريم على الطريقة التي يستجيب لها المتعلم، وتساعده على اكتساب المهارة، والإفادة مما يتعلم،
يقول الحق عز وجل :
( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هـي أحسن إن ربك هـو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) (النحل:125) .
كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى اليسر والسهولة، وجعل التيسير مطلبا مهما، كما جاء عنه صلوات الله وسلامه عليه:
( يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا ) >[13] .
فمهارات التربية الإسلامية، من خلال هـذه الخاصية، تحتل أهمية كبيرة في العملية التعليمية، كما أن لها وزنها في سبيل ترشيد الجهود الكبيرة التي تبذل من أجل التعليم في أي مجتمع من المجتمعات، سواء كانت هـذه الجهود مادية، أم كانت جهودا بشرية.
[ ص: 54 ]