الفصل الثالث
التقنيات وقدرات الجسم البشري
في الوقت الراهن تزداد وتيرة ضغوطنا النفسية بسبب السرعة التي نؤدي بها أعمالنا، العجلة التي نتناول بها طعامنا ثم الاختيار الصعب من آلاف المنتجات المعروضة أمامنا. ولا شك في أن الاستخدام المكثف للأجهزة الكهربائية وبالذات تلك التي تمس أجسادنا له تأثير سلبي على صحتنا. كذلك فإن الخلاطات والعجانات والعصارات الكهربائية تضيف شحنات كهربية وذرات معدنية للأغذية والمشروبات التي نتناولها. ويطلق العلماء تحذيرات مشددة عن الأضرار الكبيرة التي تتعرض لها أجسادنا نتيجة ذلك؛ وعلى وجه الدقة فإن القياسات قد أثبتت تشبع جسد الإنسان المعاصر بالكهرباء لدرجة قد تصل إلى مائة فولت مما يزيد من مخاطر تعرضه للأمراض والأورام
>[1] .
إن التغيرات الحاصلة في بيولوجية الجهاز العصبي، نتيجة تعرضه للعوامل المذكورة سابقا، قد رصدت بشكل أو بآخر في بحوث البيولوجيا الجزيئية ، وقد ثبت أن هـذه الجزئيات المتغيرة تتطور ببطء وهي مرتبطة مباشرة
[ ص: 93 ] بالأمراض العصبية، وقد ظهرت آثارها بوضوح متمثلة في اختلال السلوك العام حتى أصبحت مظاهر العصبية والقلق وتشتت الذهن مظاهر مرادفة لسلوك الأجيال الحالية. وكمثال واضح فإن التعرض لإشعاعات الأجهزة المختلفة، المرئية منها أو المخفية، قد ثبت تورطه بتليف أو تعطيل أو تحويل مسارات عمل العصبونات ربما بشكل مباشر أو غير مباشر في الكثير من الحيوانات والنباتات. كما أن الدليل قد أصبح قائما على أن إشارات السيال العصبي أضحت خاطئة أو مشوشة نتيجة لتراكم المواد المشعة والعناصر المعدنية الخطرة الناتجة من تحلل الأدوات والأجهزة المنتشرة من حولنا
>[2] . ولا شك في أن ذلك قد غير من بيولوجية الدماغ البشري حتى ظهرت آثار ذلك في اضطرابات التفكير والسلوك (مرض الزهايمر) . وربط العلماء بين مرض الزهايمر المنتشر كثيرا وبين تدمير مناطق حساسة في الجهاز العصبي، وأغلب الظن أن هـذه المناطق قد تعرضت للتدمير نتيجة تراكم الملوثات الكيميائية والمؤثرات الصوتية والإشعاعات المرئية وغير المرئية
>[3] وغير ذلك مما لايعلمه إلا الله عز وجل .
[ ص: 94 ] ومن الثابت أن الظروف البنيوية والكيميائية للمخ (سواء كانت داخلية أو خارجية) هـي ما يحدد أفكار وأفعال صاحبها، وعلى هـذا الأساس تمكن العلم من التحكم في بعض أنواع السلوك الإنساني عندما استطاع التحكم في بنية وكيميائية المخ. وقد تم ذلك بالعقاقير الطبية أو بزرع الأقطاب الكهربائية في الدماغ البشري بغية الوصول إلى الحالات المتطرفة من السلوك الإنساني. وهاهي الأقطاب الكهربائية في طريقها الواسع للتحكم في مشاعر وأفكار البشر. بل وقد يتم تغيير السلوك الفردي بشتى الطرق ولو بنـزع بعض الغدد أو معالجتها ليتحول الفرد إلى طيع ومسالم أو مقاتل شرس. بل توجد محاولات لتثبيت بعض الأقطاب في المخ البشري حيث يمكن التحكم في سلوك الفرد إلكترونيا أو بالتحكم عن بعد مما يعتبر انتهاكا للتكامل العقلي للفرد، بل انتهاكا لحريته الشخصية ولتدمير كل ما نصت عليه المواثيق والأعراف والأديان.
أما قطع الغيار الآلية فقد تحكمت في أجسام البشر منذ زمن ليس بالقصير؛ ووجدت طريقها السريع في غرف العمليات مما جعل بعض الأفراد مزيجا من الإنسان والآلة. وها هـي الأجهزة الصغيرة المحمولة تتحكم في نبضات القلوب وفي غيرها كثير. أما الإنسان الآلي فقد تم صنعه واستطاع عقله التفوق على العقل البشري في لعبة الشطرنج وها هـو يدخل غرف العمليات ليتحكم في صحة وحياة البشر.
[ ص: 95 ] هذه الثورة الهائلة في العلوم البيولوجية أشـار لها المفكر
«ألفين توفلر» بما أسماه: «The pre- designed body» أي الجسم المعد مسبقا، وهو بذلك يشير إلى هـندسة الجينات التي قطعت شوطا مذهلا في الفترة الأخيرة
>[4] . وفي كتاب بعنوان (عقول المستقبل) يصل المؤلف
«جون تايلور» إلى تصورات مذهلة؛ ومنها أن العقل البشري سوف يكون قابلا للتحكم به عن طريق الريموت كونترول
>[5] . ومما يؤكد هـذه التصورات هـو ازدياد الطلب على زراعة الأقطاب الكهربائية في معالجة أمراض العقـل والجسـد.
كذلك هـناك محاولات تجرى على قدم وساق لزرع الرقائق الإلكترونية في مخ الإنسان، وذلك لتوسيع وتقوية ذاكرته. وقد أثبتت التجارب إمكانية ربط دماغ الحيوان مباشرة بالحاسوب ورصد الإشارات الكهربية في الأنسجة الحية، وزرع خلايا فأر على رقيقة سيليكون وإرسال واستقبال الإشارات منها مباشرة. ويظن العلماء بأن تعزيز وربط دماغ الإنسان بالحاسوب قد أصبح ممكنا، وأن ذلك سوف يؤدي إلى ارتفاع نسبة الذكاء وسعة تخزين المعلومات، كما أنه قد يعين العميان على استرداد القدرة على الإبصار.. ترى هـل يمـكن الحد من تلك المشـاكل الصحية والسلوكية، أو أن الوقت قد بات متأخرا لعلاج أو منع حدوث بعض تلك السلبيات؟
[ ص: 96 ]